في طَرَفَي أوراسيا: عَصرُ “السلامِ الأميركي” يَقتَرِبُ من نِهايتِهِ
فيما تحاول الولايات المتحدة إعادة تكوين نفسها ونموذجها الذي أضر به كثيراً دونالد ترامب، تُحاول روسيا والصين تغيير الوضع الجيوستراتيجي الراهن
هَوارد فرانش
هُناكَ عددٌ من الطُرُقِ لقياسِ أَحَدِ التحوّلاتِ العالمية العظيمة في عصرنا: تراجُعُ قوّةِ الولايات المتحدة، ليس فقط بالنسبة إلى مُنافسٍ صاعدٍ مثل الصين، ولكن بالنسبة إلى بقيّةِ العالم بشكلٍ عام.
من العام 1960 إلى الوقت الحاضر، انخفضت حصّة أميركا من الناتج الاقتصادي العالمي من 40 في المئة إلى أقل من الربع في السنوات الأخيرة. وبالمقارنة حتى مع الماضي القريب إلى حدٍّ ما، على سبيل المثال بعد فترة رئاسة باراك أوباما التي أعاد خلالها مكانة أميركا في العالم، فقد تلاشى تأثير ومكانة النموذج السياسي الأميركي في ظل الآثار المُدمّرة لدونالد ترامب، فضلًا عن الانقسام السياسي والشلل الواضح في أعقابه. كما أدّى الفشل في وقف انتشار كوفيد-19 محلّيًا، الذي أصاب ما يقرب من 50 مليون شخص، وفي جميع أنحاء العالم، حيث كانت الولايات المتحدة سابقًا مُزوِّدًا أكثر فاعلية لسلع الصحة العامة، إلى تضاؤلِ الصورة العالمية للبلاد بشكل كبير.
.
اليوم، على الرغم من ذلك، تقف الولايات المتحدة على مقربةٍ من أعتابِ المنافساتِ التي تَندرِجُ تحت الفئة الأقدم على الإطلاق: القوّة العسكرية وفقًا للقياس التقليدي. من الناحية النظرية، لا يمكن لأيِّ قوّاتٍ مُسلّحة لدولةٍ أخرى مُنافَسة قدرة الجيش الأميركي على إبرازِ القوّة على مستوى العالم. ومع ذلك، لا تُخاضُ الحروب من الناحية النظرية. وعلى طَرَفَي الكتلة الأرضية الأوراسية تلوحُ في الأفق تحدّياتٌ خطيرة ومحفوفة بالمخاطر لدورِ واشنطن، الذي وضعته لنفسها، كوصيٍّ ومُنفِّذٍ للنظام الدولي، حيث يبرز وضعان خطيران يُهدّدان بتغيير الوضع الجيوستراتيجي الراهن من خلال ممارسة الضغط المُسلّح على الدول المجاورة. وحتى لو كان بالإمكان تجنّب الصراع في المدى القصير، فإن التلميحات تزداد يوميًا أنه يمكن استخدام القوة في المستقبل المنظور.