“سامحوني… لا أريد أن أكون لا خبراً ولا صورة”
يظنّ كلّ واحد منّا في هذه الحياة أنّه بطل الرواية؛ فالأبطال عادةً مهما واجهوا من مشكلات وصعوبات يتخطّونها، ومهما تعدّدت الخيارات يبقى الموت ليس واحداً منها، ربّما!
يدخل الموت عليّ في كلّ مرّة أشاهد فيها نشرة أخبار أو تقريراً عن رجل خسر جنى عمره في المصرف، أو حين أقرأ خبرَ انتحار أحدِهم بسبب تردّي الأوضاع، أو أو أو… فالقعر الذي نعيش فيه اليوم ما عادَ يتّسع للفرح.
يسألني الموتُ عن معنوياتي! أتذكّر دموعَ أبي في يومي الأوّل الجامعيّ، وخوفَ أمّي من أن تتلفَ الكتابةُ نظري، وخوفَ شقيقاتي بعد أن رحل أبي إلى عالمٍ آخر.
يضغط على يدي الموت، أغمضُ عينيَّ، وأحاول إشغال نفسي بأمور سعيدة؛ أتذكّر يومَ هربتُ، أنا وأصدقائي، من الصّف، وركضنا تحت المطر، وإذ بالمعلّمة تنتبه لغيابنا، وتخرج من الصّف للبحث عنّا. يومها، ضحكت كما لم أضحك أبداً.
أهرب منه، وأجلس بجانب أمّي، أراقب انتصار الشَّيب في شعرها، التجاعيد حول عينيها، وقليلاً حول فمها. كيف كبرت أمي دون أن ألحظ ذلك؟
ألتفت نحو الموت وأقول بقوّة: “معنوياتي مرتفعة، وسأعيش، فهناك من ينتظرني”.
هزمتني دموعي اليوم بعد أن قرأت رسالة لشابّ، ضجّت بها مواقع التواصل، قيل إنه عُثر عليها في جيبه بعد أن وُجد جثة مضرّجة بالدماء وسط شارع في محيط مدينة صور. وكُتب في الرسالة “سامحني يا بيّي الموت مرّة واحدة أفضل من الموت كلّ العمر”.
قد قرّر الشاب (ع.ي – مواليد 1998) أن يُنهي حياته، طالباً السّماح من والده بهذه الرسالة، بعدما رمى نفسه من الطبقة السابعة، ليُفارق الحياة إثر ارتطام رأسه بالأرض.
وأشارت الرواية الأولية، وفق مصادر أمنية لـ”النهار”، إلى عدم وجود أي خلفية جنائية لما حصل، يعني أن الشاب لم يتعرّض للقتل.
وفتحت الأجهزة الأمنية تحقيقاً لمعرفة ملابسات الحادثة وخلفيّة “الانتحار”، التي تبدو بحسب المعلومات الأولية أنها تتخطّى مسألة الظروف الاجتماعيّة الصّعبة.
واللافت في الرسالة التي تناقلتها مواقع التواصل خطّ الشابّ المتعرّج، الذي قد يدلّ على اهتزاز اليد لحظة الكتابة، إلى أن استقام خطّ القلب وفارق الحياة.
الجحيم اليوميّ الذي نعيشه لا يستطيع أحدٌ تحمّله، فحتى مصطلحات، بعد الصبر فرج، لا تيأس! لا تفقد الأمل! وكن قوياً! أصبحت في لحظة ضعف مجرّد شعارات كتلك التي يردّدها السياسيّون على مسامعنا. ولكن هذا البلد ما عاد يُطاق بالنسبة الى كثيرين، إنّها الحقيقة ولا شيء سواها.
هذه دعوة انتصار لأنفسنا وليس للموت!