ميقاتي “اشتبك” مع بري: أكثر من استياء وأقلّ من استقالة
قد يلفظ المجلس الدستوري اليوم قراره بالطعن بتعديلات قانون الانتخابات وقد لا يفعل… لكنّ الأكيد أنّ المجريات السياسية التي واكبت التحضير لصدور هذا القرار من عدمه، جعلت الدولة برمتها تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت اشتداد وطأة الصفقات الفضائحية بين أركان الحكم فوق أنقاض العدل والقانون والمؤسسات، حتى بلغ الفجور رؤوس الأشهاد مع مجاهرة أهل السلطة بنتانة الانغماس في تسويات خبيثة تسابق الزمن عشية انتهاء مهلة المراجعة الدستورية، لاستعجال “المقايضة” علناً بين قرار الطعن الانتخابي والإطاحة بالتحقيق العدلي في جريمة انفجار 4 آب.
فبغض النظر عن القنابل الدخانية التي أطلقها “التيار الوطني الحر” للتعمية على حماوة الاتصالات الجارية مع “الثنائي الشيعي” لإتمام “الصفقة” المنشودة، أكدت مصادر سياسية رفيعة في قوى الثامن من آذار أنّ الساعات الأخيرة سجلت “تقدماً كبيراً على خط التواصل بين “حزب الله” و”التيار الوطني” وأفضت إلى إنجاز توافق تشريعي – قضائي بصورة شبه نهائية بين الجانبين، قضى بموافقة النائب جبران باسيل على مشاركة كتلته النيابية حضوراً وتصويتاً في جلسة فصل ملف التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب عن التحقيق العدلي في جريمة المرفأ، مقابل استحصاله على مكاسب انتخابية في قرار الطعن الدستوري، بالتوازي مع موافقة “الثنائي” على تمرير سلة تعيينات قضائية ومالية جديدة ترضي باسيل في مجلس الوزراء، يتصدرها بند تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان”.
لكن ما لبثت هذه “الصفقة” أن تعثرت في ساعاتها الأخيرة بعد اصطدامها برفض الرئيس نجيب ميقاتي المضي قدماً بها على طاولة مجلس الوزراء، وبناءً عليه، رجحت مصادر مواكبة للمراجعة الدستورية التي قدّمها تكتل “لبنان القوي” بتعديلات قانون الانتخاب “أن تبقى الاحتمالات مفتوحة حتى اللحظات الأخيرة لموعد صدور قرار المجلس الدستوري (اليوم) فإذا تعذر الاتفاق السياسي سينعكس ذلك حكماً على تصويت القضاة، كل منهم بحسب ولائه السياسي، ما قد ينتج عنه تالياً انقسام الأصوات وسقوط التصويت على البنود التي لا تحظى بغالبية 7 أعضاء من أصل 10 وسقوط الطعن ورده في مواده الجوهرية، باستثناء قبول مواد هامشية منه كموعد الانتخابات، سيّما وأنّ رئيس الجمهورية باستطاعته عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في آذار بمعزل عن مضمون قرار المجلس الدستوري”.
وكان “حزب الله” قد ألقى بثقله طيلة ساعات النهار في ميزان الاتصالات مع باسيل، فاستطاع بلورة تصور مشترك معه عشية صدور قرار المجلس الدستوري، لكن المصادر السياسية الرفيعة نفسها أوضحت أنّ مجريات لقاء “عين التينة” بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وميقاتي “طيّرت” ما تم إنجازه في هذا المجال، ربطاً برفض الأخير تغطية مسألة “تطيير” سلامة. وكشفت المصادر أنّ بري هو من دعا ميقاتي لزيارته بهدف إطلاعه على إبرام “تدبير معين بين الثنائي والتيار الوطني سيفضي إلى عودة مجلس الوزراء للانعقاد لإقرار سلة تعيينات قضائية ومالية مطلوبة ضمن إطار هذا التدبير”، غير أنّ رئيس الحكومة سرعان ما “استشاط غضباً إزاء بنود التسوية التي تبلغها، مؤكداً أنه غير قادر على تغطيتها لا داخلياً ولا خارجياً سواءً في ما يتصل بالشق القضائي أو في ما يخصّ الإطاحة برياض سلامة”، فحصل نوع من “الاشتباك اللفظي بينه وبين بري، انتهى إلى مغادرة ميقاتي غاضباً من عين التينة قبل أن يبادر إلى إجراء سلسلة اتصالات مع مرجعيات سنية لإطلاعها على مستجدات الأمور وتأكيد موقفه الرافض لتمرير “صفقة” باسيل في مجلس الوزراء حتى ولو اضطره الأمر إلى الاستقالة”، لكنّ مصادره عادت فصوّبت حقيقة موقف ميقاتي مؤكدةً أنه اتخذ “موقفاً حازماً بلغ مستويات أكبر من حدّ الاستياء لكنه ما زال تحت سقف الحرص على عدم الاستقالة والتفريط بالحكومة”.
وهذا ما شدد عليه رئيس الحكومة لاحقاً عبر مكتبه الإعلامي، مشيراً إلى أنه كرر خلال لقاء عين التينة “موقفه المبدئي برفض اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة أو بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق”، مع تجديد “وجوب أن تكون الحلول المطروحة للإشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مناطة بأحكام الدستور دون سواه، من دون ان يقبل استطراداً بأي قرار يُستدل منه الالتفاف على عمل المؤسسات”، وخلص في ضوء ذلك إلى إعادة التأكيد على الاستمرار “في مهامه وجهوده لحل قضية استئناف جلسات مجلس الوزراء”، مع التلويح بأنّ “أي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطاً فقط بقناعاته الوطنية والشخصية وتقديره لمسار الأمور”.
وفي المقابل، نقلت مصادر مطلعة على أجواء الاتصالات المسائية عقب تعثر مسار التسوية، أنّ رئيس “التيار الوطني” لن يتنازل عن شرط إقرار سلة تعيينات قضائية ومالية واحدة في مجلس الوزراء تشمل استبدال حاكم مصرف لبنان مقابل منحه الميثاقية المسيحية لتنحية المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ “لأنّ أي تسوية دون ذلك ستكون تداعياتها كارثية عليه في الشارع المسيحي، بينما الإطاحة برياض سلامة ستكون بمثابة ورقة رابحة له بحيث سيعمد إلى تصويرها أمام جمهوره على أنها بمثابة إنجاز ضخم استطاع العهد وتياره تحقيقه في سبيل مكافحة الفساد المالي في الدولة”.