السلطة والثورة!
تتداخل أعمال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في لبنان بسبب أداء المسؤولين عنها. الدستور واضح حيال مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. ليست السلطات الثلاث بمثابة جزر مستقلة منعزلة عن بعضها البعض لا تتفاعل ولا تتعاون. كما أنها ليست سلطات متشابكة بإمكان أي منها أن تمد يدها إلى السلطة الأخرى.
المشكلة أن السلطتين التنفيذية والتشريعية تريدان بشكل أو بآخر التمدد نحو السلطة القضائية، والمشكلة الأكبر أن السلطة القضائية لا تصدق نفسها أنها سلطة مستقلة قادرة على الحكم بالعدل بدون الانجرار الى المصالح السياسية.
الإصلاح المنشود لا يبدأ الا من القضاء المستقل. أي كلام دون سقف هذا الكلام يكون بمثابة مجافاة للحقيقة والتفاف حولها. والقضاء المستقل يسقط عن ذاته صفة الاستقلالية حينما يطلبها من السلطة السياسية أو يستجديها من السياسيين. ليس من الضروري أن يكون الاستجداء مباشراً وهو غالباً ليس كذلك. إن مجرد قبول الوساطة السياسية هو استجداء، وعدم القيام بالمهام القضائية الكاملة هو كذلك أيضاً.
المهم أن الانهيارات اليومية المتتالية إنما تنذر بما هو أسوأ وأكثر خطورة أي ذهاب البلاد نحو إستقالة حكومية تخدم، عن قصد أو غير قصد، الأهداف المبيتة لدى بعض القوى السياسية اللبنانية بتطيير الإنتخابات واستلحاقها بخطوات غير دستورية تتصل بتمديد قسري لرئيس الجمهورية في قصر بعبدا، وهو بمثابة تمديد أمر واقع، وقد ألمح له الرئيس في إحدى مقابلاته مؤكداً أنه لن يسلم الفراغ.
من غير الطبيعي أن تمر البلاد بهذا القدر من المخاطر والتحديات السياسية والإقتصادية والاجتماعية والأمنية وليس هناك من يسعى لاتخاذ القرارات الاصلاحية التي طال انتظارها وهي الكفيلة بوضع حد للانهيار وإطلاق عملية التغيير للحيلولة دون السقوط النهائي للبنان بصيغته المعروفة.
هل التفكك حتمي في لبنان؟ هل يجوز أنه لم يعد ثمة مساحات مشتركة بين اللبنانيين يمكن الالتقاء حولها والبناء عليها؟ التفكك لا يعني التقسيم الذي ربما قد يكون مخططاً له ام لا، بل هو بمثابة التلاشي التدريجي الفوضوي، غير المنظم الذي تولّد ارتطاماته مشاكل واشكاليات وتداعيات في غاية السلبية تفتح الباب أمام أحداث من الممكن أن تخرج عن السيطرة.
غريب ألا يكون لدى بعض المسؤولين الحد الادنى من المسؤوليات الأخلاقية قبل المسؤوليات السياسية في اطار توليهم شؤون البلاد. غريب الا تدفعهم الأزمات المتراكمة من كل حدب وصوب إلى تغيير جذري في مقاربتهم للامور ومعالجتهم القضايا الوطنية.
أما نوادي الاعتراض الثورية، من جمعيات وهيئات حقيقية ووهمية، ومن ثوار الفنادق والبيادق، فإن سياساتهم تجاه بعضهم البعض قبل سياساتهم تجاه الأحزاب السياسية كفيلة بتحديد مسار الامور المستقبلية.
إن سياسات معظمها: “قوم لاقعد محلك”، إنتقاد لمجرد الانتقاد وشعارات لا تقدم ولا تؤخر. لا برامج بديلة، ولا اسماء لامعة لماعة. مجرد فقاقيع إعلامية لا تجيد سوى انتقاء ربطات العنق الملونة. بعضها يظن أن تاريخ البلاد بدأ معه، والبعض الآخر اعتبر أن المشاركة في تظاهرة هو كفتح الأندلس.
إذا كان ثمة ملاحظات على القوى السياسية (مع استثناءات طبعاً) وهذا اكيد بسبب ممارستها الحكم؛ فثمة ملاحظات لا تقل جوهرية وبنيوية عن بعض المجموعات التي تسمي نفسها مجموعات ثورية، مع استثناءات طبعاً.
السلطة في لبنان ليست سلطة، والثورة ليست ثورة. وهنا تكمن المشكلة!