ماذا لو حكى بري؟
منذ أجهض «لاقرار» المجلس الدستوري الطعن البرتقالي في تعديلات قانون الانتخاب والرئيس نبيه بري يتفادى التعليق المباشر على «النكسة» التي أصابت «التيار الوطني الحر» وما تلتها من ردود فعل حادّة ضدّ «الثنائي»، وصولًا الى خطاب الرئيس ميشال عون، انما من دون أن يعني هذا الصمت الطوعي والموضعي أن ليس لديه ما يبوح به لو حكى.
شعر بري بـ«الاكتفاء السياسي» من النتيجة التي انتهى اليها الطعن البرتقالي، واعتبر انّها الردّ الأبلغ والأفضل على الإتهامات والحملات الموجّهة ضدّه، وبالتالي، لم يجد انّ هناك حاجة إلى أي إضافة، بل أوحى انّ من واجبات «المنتصر» استيعاب انفعالات الطرف الآخر وليس مبادلته بالمثل.
لكن صمت بري الرسمي لا يُلزم المتحمّسين له ممن يعتبرون انّ ما ينطبق عليه لا ينسحب بالضرورة عليهم.
بالنسبة إلى هؤلاء، لا ينبغي أن يكون التيار ناقماً على بري او متفاجئاً به بسبب معارضته للعهد عند مفاصل معينة، «إذ انّ الرجل بقي منسجماً في سلوكه السياسي مع نفسه وموقفه الأصلي المعترض منذ البداية على مبدأ إيصال عون الى رئاسة الجمهورية، ليس رفضاً لشخصه الذي يكنّ له كل احترام، وإنما معارضةً لسياساته التي لا تراعي في كثير من الأحيان التوازنات الداخلية»
وامتداداً لـ«الرواية المضادة»، هناك من يلفت الى انّ بري كان يعتبر من الأساس انّ رئيسين للجمهورية جرى انتخابهما في تشرين الأول 2016 هما ميشال عون وجبران باسيل، وانّ من شأن ذلك ان ينعكس سلباً على العهد والبلد، وقد أتت التطورات اللاحقة لتثبت، في رأي أنصار بري، صوابية تحذيره المبكر «بعدما تبيّن انّ باسيل يفرض إيقاعه وحساباته على كثير من شؤون القصر وقراراته».
وتضيف «الرواية المضادة» بأنّ العهد هو الذي أساء الى موقعه ودوره اكثر مما فعل أي من خصومه، «إذ لجأ الى إقصاء الآخرين وتهميشهم تباعاً، بحيث يكاد لا يبقى له حليف أساسي واحد في العام الاخير من الولاية الرئاسية، وحتى «حزب الله» نفسه لم ينج من النيران الصديقة»، يقول معارضو عون وباسيل.
ويشير هؤلاء، الى انّ «نزعة التسلّط والاستئثار عكستها بوضوح التسوية الرئاسية بين عون – باسيل وسعد الحريري، والتي حاول عبرها العهد ان يستبعد الشركاء المفترضين في السلطة، آملاً في انّ هذه التسوية التي استندت الى المحاصصة الفاقعة، ستسمح له بتحقيق المكاسب والمنافع، ولو على حساب التوازنات والمعادلات الداخلية المرهفة، فكانت النتيجة في نهاية المطاف انّ هذه الصيغة الهجينة انفجرت من داخلها، لأنّ العهد والتيار لم يتحمّلا الحريري وانقلبا عليه، وكذلك تصرّفا حيال سليمان فرنجية الذي افترقا عنه، واتفاق معراب الذي سقط بدوره، وهذا ما يحاولان فعله ايضاً مع «حزب الله» حالياً على رغم كل قدّمه منذ توقيع تفاهم مار مخايل».
وفي ما خصّ اتهام بري بأنّه جزء اساسي من «المنظومة» ورافعتها السياسية، فإنّ أنصار رئيس حركة «أمل» يردّون عليه بالإشارة الى انّ المشكلة الجوهرية تكمن في النظام الطائفي الذي يفرض قواعده على الجميع «وهو شرّ لا بدّ منه الى ان يتمّ الانتقال نحو الدولة المدنية المرتكزة على المواطنة والتي ينادي بها بري دائماً، وحتى ذلك الحين فإنّه لن يتنازل عن أي من الحقوق المكتسبة تحت سقف هذا النظام، وهو صاحب الشعار الصريح المعروف: إلغاء الطائفية والّا عالسكين يا بطيخ».
ويضيفون: «اما مصطلح المنظومة فيُراد منه تشويه حقيقة انّ هناك قوى وازنة منتخبة شعبياً، وتملك حيثية تمثيلية تمنحها الشرعية والمشروعية اللتين صنعتهما الانتخابات النيابية ولا تنزعهما سوى الانتخابات حصراً وليس الأحكام السياسية».
ولعلّ اكثر ما يستغربه «الحركيون» هو تحميل رئيسهم مسؤولية التعطيل، في حين انّ التيار هو بالنسبة إليهم «صاحب اختصاص في هذا المجال من استحقاقات رئاسة الجمهورية الى الحكومات المتعاقبة، ولذلك، فإنّ من كان منزله من زجاج عليه ان لا يرشق الآخرين بالحجارة».
ومع ذلك كله، فإنّ المتحمسين لبري يشدّدون على انّه سعى، ولا يزال، الى تنظيم الخلاف مع عون وحصر كلفته على المؤسسات والبلد، مشيرين الى انّ رئيس مجلس النواب تحمّل الكثير في هذا السياق وتجاوز الإساءات الشخصية بغية منع انهيار العلاقة بالكامل مع عون والتيار، ولاقتناعه بأنّه يجب فصل العواطف الشخصية عن الشأن العام، وبالتالي حتى عندما اتهمه باسيل بالبلطجة من خلال التسريب الصوتي الشهير، قرّر ان يغض الطرف وعاود استقباله في عين التينة، محاولاً ايجاد تقاطعات معه، «ذلك انّه لا مفرّ في نهاية المطاف من إعادة مدّ الجسور، مهما اشتدت الخلافات».