
أنا نادمة : سلّمت سلاحي ورضخت
أنا نادمة لأنّني حَلِمْتُ ذات يوم من ذاك الماضي ببناء مستقبل واعدٍ يُخرجني من حلقة الخوف والدّمار والحروب فتعبت وسهرت وضحّيت لعلّ نجاحي يُنسيني أصوات تلك القذائف التي صمّت أذناي وأطبقت على أنفاسي علّني أستطيع وأبناء جيلي الكفاح للنهوض بوطنٍ يئنّ وينازع .
أنا نادمة لأنني صدّقت بائعي أوهام أوهموني أنّ غد أطفالي أفضل بكثير من أمسي.فتجذّرتُ بأرضي ظنًا منّي أنني أقتني لهم كنزًا ندر وجوده.
أنا نادمة لأنّني أوهمت بدوري أولادي بمستقبل وردي مُشرق فأدخلتهم معي وعن غير قصد في أتونٍ من نار يتخبطون للخروج منه ولكن عبثًا يحاولون. فباتت أقصى أمنياتهم الهجرة والغوص في المجهول علّه يرأف بشبابهم فيمدّهم بجرعة أملٍ كفيلة بإعادتهم إلى الحياة بعيدًا عن وطن أذلّهم وأوجعهم.
أنا نادمة لأنني سلّمت سلاحي وتناسيت قضيتي وأحلامي وبتّ أترقّب سعر الدولار لأهرع في كلّ الاتجاهات لربما استطعت تأمين قوت يُبعد شبح الجوع عن عائلتي أهرع لتأمين الدّواء وليترات شحيحة من البنزين.
أنا نادمة لأنني أقبع في صومعتي أعاتب هذا وألوم ذاك ولكن في قرارة نفسي أنا أعلم أنني المذنبة الأولى لأنني رضخت لطغيانهم تركت لهم وطنًا باعوه واقتسموا عليه ولم أجرؤ حتّى على محاسبتهم لأنّني خفت أن يوجعني بطشهم فقتلني ظلمهم وطغيانهم إذ سرقوا منّي حياتي.
أنا نادمة لأنني تجرّأت وحلمت فجاء انكساري موجعًا قاتلًا.
أنا نادمة حتّى على ندمي فأنا نادمة.
