الوكالات الحصريّة ملغاة والمشكلة عالقة في النفوس لا في النصوص

الوكالات الحصريّة ملغاة والمشكلة عالقة في النفوس لا في النصوص

الكاتب: خالد أبو شقرا | المصدر: نداء الوطن
8 شباط 2022
ثمّة ما يضحك، أو ما يبكي، في نقاشات ممثلي الشعب الحامية حول إلغاء الوكالات الحصريّة. ليس في ذلك تقليلٌ من أهميّة الموضوع، إنما تعجّب من تضييع من هم في سدّة السلطة الوقت والجهد لإقرار ما هو مقرّ أصلاً بالشكل المطلوب منذ نحو 4 عقود.

في العام 1983 دخل مكتب وزير الاقتصاد والسياحة إبراهيم حلاوي أحد تجار الملبوسات حاملاً معه سروالي «جينز» متطابقين. الأول هو اشتراه ويبيعه بـ 15 ليرة، فيما الثاني مستورد من قبل الوكيل الحصري ويباع بـ 70 ليرة. وضعهما أمام الوزير سائلاً إيّاه: «أيعقل أن يغرّموني بالمبلغ المرقوم لأني أبيع السروال بالسعر العادل، فيما يحمي قانون الوكالات الحصرية التاجر الذي يبيعه بأضعاف مضاعفة؟». فما كان من الوزير إلّا أن أعدّ مشروعاً جديداً لحيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها يتضمن إلغاء الوكالات الحصرية ومنع الاحتكار. وبالفعل صدر في 9 أيلول 1983 المرسوم الاشتراعي رقم 73 حول حيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها، لاغياً بذلك المرسومين الاشتراعيين السابقين، 189 و32 تاريخ 1942 و1967 على التوالي.

الوكالات الحصرية ملغاة

وَصَفت المادة 14 من المرسوم الاشتراعي رقم 73 الاحتكار على أنه:

– كل اتفاق أو تكتل يرمي للحدّ من المنافسة في إنتاج السلع والمواد والحاصلات أو مشتراها أو استيرادها أو تصريفها، ويكون من شأنه ارتفاع سعرها ارتفاعاً مصطنعاً، أو الحيلولة دون تخفيض هذه الأسعار.

– كل اتفاق أو تكتل يتناول الخدمات بغية الحدّ من المنافسة في تأديتها، ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع بدلاتها بصورة مصطنعة أو الحيلولة دون تخفيض البدلات.

– كل عمل يرمي إلى تجميع المواد أو السلع أو الحاصلات أو إخفائها بقصد رفع قيمتها، أو بغلق مكاتبه أو مستودعاته لأسباب غير مشروعة بغية اجتناء ربح، لا يكون نتيجة طبيعية لقاعدة العرض والطلب.

فيما نصت المادة 15 على أن «كل عمل من الأعمال المبيّنة في المادة 14 يعتبر باطلاً حكماً بالنسبة للمتعاقدين أو المتكتلين، سواء أكان هذا ظاهراً أم مستتراً ولا يجوز لهم التذرع بهذا البطلان إزاء الغير للتنصل من مسؤولياتهم».

بالرغم من كل نصّ مخالف، لا يسري بند حصر التمثيل التجاري على الأشخاص الثالثين، إلا إذا أعلنه الوكيل بقيده في السجل التجاري وعلى المواد المصنّفة من الكماليات دون سواها.

أما تصنيف المواد فيكون بمرسوم بناء على اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة وبعد استطلاع رأي لجنة مؤلفة من: مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة رئيساً وعضوية كل من:

– ممثل عن وزارة الاسكان والتعاونيات.

– ممثل عن الغرفة النقابية لممثلي التجارة في لبنان.

– ممثل عن الاتحاد الوطني العام للجمعيات التعاونية.

– ممثل عن تعاونية موظفي الدولة.

– ممثل عن الاتحاد العمالي العام.

– ممثل عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت.

الوكالات الحصرية حصراً بالكماليات

إنطلاقاً من هذا المرسوم الاشتراعي الذي عدلت فيه مواد أخرى في العام 1991، يعتبر الوزير إبراهيم حلاوي أن «الوكالات الحصرية ملغاة أساساً، وليس هناك ما يبرّر إعادة فتح الملف والاختلاف عليه». والمشكلة برأي حلاوي أن «لا أحد يطلع على النصوص». أما بخصوص الكماليات، فتحديدها يعود إلى وزير الاقتصاد، ويتّخذ القرار من خلال لجنة مؤلفة من أرباب عمل وممثلي العمال. وعلى ما يظهر في تركيبة اللجنة المشكّلة، فإن الغلبة فيها ليست للتجار. فمقابل وجود صوتين لممثلي التجار وغرفة بيروت هناك 3 أصوات لـ»الاتحاد العمالي العام»، و»تعاونية موظفي الدولة»، و»الاتحاد الوطني العام للجمعيات التعاونية»، الذين يفترض المنطق وقوفهم خلف العمال. فيما يوجد صوتان رسميان الأول لوزارة الاقتصاد والثاني لوزارة الإسكان والتعاونيات. وبحسب حلاوي فإن الذي قصد بالكماليات هو فعلاً السلع الفاخرة المحصورة نسبياً بمن يستطيع تسديد ثمنها مثل «السيغار» على سبيل التوضيح».

غياب المنافسة هو العائق

المشكلة الأساسية في لبنان لا تتمثل في وجود وكالات حصريّة إنما في غياب قانون عادل للمنافسة، وسلطة فاعلة تراقب منع الاحتكار»، برأي المحامي المتخصص في القانون التجاري عبدو أبو جودة. فهناك مفهومان على مستوى العالم في العلاقات التجارية لحماية الموزعين:

الأول، يتضمن إعطاء حق توزيع السلع لعميل واحد. وهذا عادة ما يكون في الأسواق الصغيرة، حيث تفضل الشركات حصر بيع منتجاتها بجهة محددة من أجل التشجيع على القيام باستثمارات طويلة الأجل، وتأمين خدمة العملاء ما بعد البيع، وضمان جودة منتجاتها، وحماية اسمها.

الثاني، ويتضمّن حماية الموزع في الأسواق الكبيرة والمفتوحة من خلال إعطائه تعويضاً عن فسخ العقد بدلاً من الأسواق التي ساهم بفتحها أو توسيعها، كائناً ما كان السبب.

إذاً في أكثرية الحالات «يهمّ الشركات المنتجة التعامل مع موزّع واحد. وهذا لا يخلق بالضرورة احتكاراً»، بحسب أبو جودة. و»في حال كان الموزّع يحوز أغلبية السوق أو نسبة لا تقل عن 60 أو 70 في المئة ولا يوجد منافسة للسلعة، يأتي دور الدولة في مطالبة الموزع بالشفافية في تحديد الأسعار، وعدم استغلال الوضع للاحتكار. وعليه فإنّ ضبط الاحتكار هذا رهن بالمنافسة وليس بوجود الوكالة الحصرية. فوجود الأخيرة لا يؤدي إلى الاحتكار كما أن غيابها لا يلغي الاحتكارات ويدفع إلى المنافسة الشفافة.

الشعبوية في الطرح

من الجدير ذكره أنه لا يوجد وكالات حصرية في استيراد وتوزيع المواد الغذائية ومواد التنظيف. وعادة ما تكون الوكالة الحصرية على الكماليات وتصلح على البضائع الجديدة فيما ترفع تلقائياً عن تلك التي يتجاوز عمرها بضع سنوات. ولا سيما في مجال الملبوسات والأكسسوارات والسيارات والهواتف… وخلافه الكثير من السلع والمواد. عدا ذلك فإن المطلب بإلغاء الوكالات الحصرية هو موقف شعبوي يهدف إلى التعمية عن المشكلة الأساسية المتمثلة في تراخي الدولة وعجزها الفاضح عن ملاحقة المحتكرين وتوقيفهم. وهذا الطرح يهدف بحسب أبو جودة إلى تغيير وجه الاقتصاد اللبناني ولا يخفّف الاحتكار ويفاقم مشاكل الاستثمار ويؤدي إلى تراجعه». وللمثال فإن أحد مصانع المشروبات الغازية بدّل سريعاً القوارير البلاستيكية مرتفعة الثمن عند بدء الأزمة، بتلك التي تُرد مقابل سعر أقل بكثير للمحافظة على المبيعات. في المقابل فإن ايجاد مستثمر آخر للعلامة التجارية نفسها غير الوكيل الحصري لها لن يتأمن بين ليلة وضحاها، هذا إذا حاز موافقة المنتج الأساسي في الخارج. وبالتالي إقرار قانون المنافسة لمنع الاحتكار كفيل بالسيطرة على الأسعار برأي أبو جودة، هذا إن استطاعت السلطات الرقابية والقضائية المتابعة والمحاسبة.