ماذا طلب عون في الكنيسة وأين الراعي من «التصفيق» وسلامة؟

ماذا طلب عون في الكنيسة وأين الراعي من «التصفيق» وسلامة؟

الكاتب: عماد مرمل | المصدر: الجمهورية
11 شباط 2022

تحوّل التصفيق والهتاف لرئيس الجمهورية ميشال عون من قِبل أنصاره في كنيسة مار مارون، الى مادة سجالية تعكس هشاشة الواقع السياسي وحدّة الإنقسامات المرشحة لمزيد من الاتساع، كلما ضاقت المدة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية.

المعترضون على أشكال «الصخب» البرتقالي في استقبال عون، اعتبروا انّ هذا السلوك نافر ولا يتناسب مع خصوصية الكنيسة والمناسبة، واضعين إيّاه في إطار إنكار الواقع ومحاولة التمويه على الوضع الصعب الذي آل اليه العهد عقب تراجع شعبيته.

اما من زاوية التيار، فإنّ «الهبّة البرتقالية» في الكنيسة احتفاءً بعون، لا تخالف قدسية المكان ووقاره، وهي ردّ فعل مشروع بعد فترة من «الكمون» والاحتقان تعرّض خلالها عون لكل انواع الإساءات والاتهامات، وتحديداً منذ 17 تشرين الأول 2019. وعليه، يوحي تصرّف أنصار عون خلال قداس مار مارون، بأنّ التيار بدأ الانتقال من الدفاع الى الهجوم، وانّه في صدد السعي الى استعادة المبادرة استعداداً للانتخابات.

ويروي العارفون، انّ عون وفيما كان يهمّ بالمغادرة، طلب من أحد مرافقيه ان يطلب من المتجمعين خارج الكنيسة بالتوقف عن إطلاق الهتافات، بعدما وصلته عاطفتهم الصادقة: «قلن خلص..»، فأجابه المرافق بأنّ من الصعب أن يتجاوبوا مع مثل هذا الطلب نتيجة حماسهتم الكبيرة، ولا أحد يستطيع أن يمون عليهم.

موقف بكركي
ولكن، ما حقيقة موقف بكركي من مظاهر الترحيب بعون في داخل كنيسة مار مارون؟

تؤكّد مصادر قريبة من البطريرك الراعي، انّ «بكركي ليست مع الخلط بين السياسي والكنسي، «وهي لا تحبذ التصفيق والهتاف داخل الكنيسة احتراماً للمقدّسات، ولكن هناك أناساً قرّروا ان يعبّروا على طريقتهم، ونحن نترك للرأي العام ان يتقبّل او لا يتقبّل ما جرى. اما من جهتنا، فالمسألة «مرقت» ولا مشكلة لدينا، وإن كنا نفضّل لو انّ المظاهر التي واكبت القداس بقيت محصورة في خارج الكنيسة».

وهل شعرت بكركي بأنّه كانت هناك رسالة موجّهة من التيار الى الراعي؟
ترفض مصادر البطريركية المارونية ان تضع الأمر في هذا السياق، معتبرة انّه «لا توجد اصلاً مواجهة بين الراعي وعون حتى نفترض انّ هناك رسالة اعتراضية موجّهة الينا».

وماذا عن التباين بين عون والراعي في مقاربة ملف حاكم البنك المركزي رياض سلامة الذي يسعى رئيس الجمهورية الى محاسبته، بينما أوحى البطريرك الماروني في مواقفه الأخيرة بأنّه بحميه؟
تستغرب المصادر الكنسية تفسير مواقف الراعي على غير مقاصدها الحقيقية، لافتة إلى انّ البعض حاول تلبيسه زوراً وبهتاناً تهمة الدفاع عن شخص سلامة ووضع خط أحمر أمام مساءلته، «في حين انّ الحقيقة ليست على هذا النحو بتاتاً، والبطريرك لا يحمي اشخاصاً مهما علا شأنهم، بل مبادئ تعلو فوق الجميع».

وتضيف المصادر: «البطربرك الراعي ضدّ الاستنسابية في المحاسبة التي يريدها ان تشمل كل الفاسدين والمرتكبين، فلا تقتصر على متهم واحد بينما الآخرون يتهرّبون من العدالة، كلٌ على طريقته».

وتلفت الى انّه لا يختلف إثنان على أنّ سلامة ليس وحده من يتحمّل مسؤولية الانهيار، «إذ هناك دولة استدانت من مصرف لبنان وعليها ان تعيد ما أخذته، والمستهجن ان تتمّ ملاحقة الدائن وليس المَدين الذي أهدر الأموال من غير طائل، كما حدث في قطاع الكهرباء الذي أُنفقت عليها مليارات الدولارات كانت تكفي لإضاءة الجوار وليس لبنان فقط. فلماذا يُلاحق سلامة لوحده ويتمّ التغاضي عن المساهمين الآخرين في الأزمة التي نرزح تحت أثقالها؟».

وتشدّد المصادر على أنّ «الأزمة هي في جوهرها سياسية ترتبت عليها عوارض اقتصادية ومالية، والمطلوب ان يرفعوا عنا الكابوس السياسي وبعدها سيكون الشعب اللبناني قادراً بطاقاته وحيويته على تجاوز الأزمة».

رواية التيار
من الزاوية الأخرى، يعتبر احد مسؤولي «التيار الوطني الحر»، انّ ما حصل خلال قداس مار مارون من ترحيب بعون إنما يشبه ما يلقاه العروسان احياناً من استقبال حين يدخلان الى الكنيسة في إطار مراسم الزفاف، حيث يبادر اهلهما ورفاقهما الى التصفيق وإلقاء التحية عليهما، تعبيراً عمّا يكنونه لهما من محبة وتقدير، «وهذا ما جرى مع عون الذي بادر محبوه الحاضرون الى الهتاف والتصفيق له كردّ فعل عفوي وطبيعي بعد عامين من الشائعات والإساءات التي استهدفته سعياً الى تهشيم صورته».

ويلفت المسؤول «التياري» الى انّ التصوير بكاميرا الهاتف لم يكن من اتجاه واحد حتى يُقال انّ الاستقبال كان مخطّطاً له، «بل هناك عشرات الفيديوات التي صورت من زوايا عدة ومختلفة، ما يبين بوضوح انّ الناس تصرّفوا بتلقائية وعاطفة لالتقاط اللحظة من دون أن يكونوا مدفوعين من أحد». ويضيف: «حتى لو افترضنا انّ شرارة الهتاف والتصفيق انطلقت من أشخاص محدّدين كانوا قد خطّطوا للأمر مسبقاً، فإنّ تفاعل الآخرين في الكنيسة وخارجها واندفاعهم للترحيب الحار بالرئيس، يعكسان مشاعر عفوية لا يمكن توجيهها بالريموت كونترول».

ويبدي اقتناعه بأنّ الممتعضين «أزعجهم فشل محاولات تشويه صورة رئيس الجمهورية و»التيار الحر» على امتداد نحو عامين من الضخ السياسي والإعلامي المدفوع الثمن، وفاجأتهم شجاعة الناس في استقبال عون بهذه الحفاوة بعد كل ما حصل من حقن وشحن، والأغرب انّ بين المعترضين على التصفيق الذي هو تصرّف حضاري، جهة معروفة بتاريخها الدموي في تعاملها مع الكنيسة ورموزها».

وتؤكّد الشخصية «التيارية» انّ ما جرى خلال قداس مارون كان يرمز الى الاحترام والمحبة لرئيس الجمهورية ولا يرمي الى الذمّ بأحد، وبالتالي لم يكن ينطوي على أي رسالة سلبية ضد البطريرك الماروني بشارة الراعي.