“ما رح اطلَّع ورايي”

“ما رح اطلَّع ورايي”

الكاتب: ريتا رعد | المصدر: Beirut24
12 شباط 2022

كتبت ريتا رعد

يجمعون حقائبهم، يحملون جوازاتهم يحبسون دموعهم يودّعون أحباء ويحثّون الخطى وجهتهم المطار.
لا أكاد أودّع صديقًا حتى أودّع آخر. أصدقاء الطفولة زملاء العمل جيران الحيّ حُلمٌ واحد يجمعهم: الهرب من المآسي المتلاحقة الغارقين فيها والعيش. نعم العيش. لا أكاد أغلق هاتفي لأمسح دموعي خلسة على صديق أودّعه حتّى يتّصل بي آخر وللسبب نفسه الوداع.
فخلال الأعوام 2017 وحتى 2021 وصلت حصيلة المهاجرين والمسافرين إلى215653 شخصًا. وبعد،
لن يبقى في لبنان إلا قلّة قليلة من الشبّان والشّابات ليس لأنهم يؤمنون بقضيّة أو لأنهم يتمسّكون بتراب الوطن ولكن لأنّهم لم يحصلوا على تأشيرة الهجرة بعد. الجميع يردد عبارة واحدة: “ما رح اطلّع ورايي”. يبحث اللبناني وبحرقة عن الهروب لأي دولة كانت حتّى تلك التي كنّا نسميها دول العالم الثالث فهي أكثر حضارة وتطوّرًا تحترم شعبها وتؤمن له أدنى مقومات العيش التي يفتقدها إذ بات أقصى طموحه تأمين لقمة العيش للبقاء على قيد الحياة. عائلاتنا تتفكّك، أمهات وآباء يبكون رحيل فلذات أكبادهم ، منازل فقدت الدفء، عائلات تشرذمت وبلد يُحتضر. تسونامي الهجرة يجرف معه قطعة من قلبنا لن نقوى على العيش من دونها ولن نقوى على دفنها معنا في بلدٍ العدالة فيه كرتون، الناس من ورق والحريّة كذبة. فنحن أشباه قومٍ نرزح تحت رحمة طغاة يفتقدون شيئًا من الأنسنة. يحكمون ببطش ما بعده بطش يغزّيه سكوتنا وتأقلمنا، فنحن قومٌ اعتدنا الرّضوخ فكلّما ضيّقوا علينا الحصار وجدنا ألف وسيلة ووسيلة للتكيّف والتعايش وادّعاء البطولة والمقاومة والصّمود. نحن قومٌ نخاف أن نثور ، نخاف أن نتحرّر ربما لأننا لم نذق طعم الحريّة يومًا.