‎العلّية: قيمة الصفقات التي تمرّ عبرها لا تتخطى 5% من الإنفاق العام

‎العلّية: قيمة الصفقات التي تمرّ عبرها لا تتخطى 5% من الإنفاق العام

12 آذار 2022

مقر مستأجر و12 موظفاً ومدير وعمرها 63 عاماًهل تستعيد إدارة المناقصات دورها المنقوص؟

الدكتور جان العلية

مناقصات، دفاتر شروط، استدراج عروض، مواصفات. قلّما تمر فترة لا نسمع فيها عن خلافات أو أخذ وردّ بين إدارة المناقصات وإداراتووزارات أخرى محورها العبارات تلك. قد تكون «الاشتباكات» الإعلامية مع وزراء الطاقة المتلاحقين أكثرها حدّة وعلنية. ربما لأن ملفالبواخر والفيول ودهاليزه أكثر ما يؤرق اللبنانيين بما يشبه «قصّة إبريق الزيت». لكن المسألة أكثر تشعّباً وشمولاً. فما هي آلية عمل إدارةالمناقصات ودورها الفعليوهل يُتاح لها ممارسته؟ وماذا عن المعوّقات التي تواجهها في ظل  التحايل على القانون إلى «شطارة» فيأحسن الأحوال وإلى «ثقافة» في أسوئه? 8من نافل القول إن عقد الصفقات مسألة بغاية الأهمية على الدولة التصدّي لها تلبية لحاجاتالمواطنين. ومع تزايد المتطلبات التقنية، بات توفير الخبرات العالية في آليات التفاوض والإجراءات التمهيدية أساسياً، بهدف ضبط الثغراتالفنية والقانونية المتضمَّنة في العقود التي قد يتم استغلالها من قِبل المتعاقدين التفافاً على بنودها. وحيث أن الدولة لا تتدخل مباشرة فيتنفيذ الصفقات العموميةإلا في حالات استثنائيةفقد أُنيطت إدارة تلك الإجراءات بإدارة المناقصات التابعة للتفتيش المركزي. علماً أنالعقود العامة التي تجريها الدولة والهيئات التابعة لها تتّخذ أشكالاً عدّة: فإما أن تقوم الإدارة بشراء حاجياتها مباشرة، وهو ما يُسمّىالشراء العام ويتم عبر مناقصات عامة، أو بالبيع العام ويتم عن طريق المزاد العلني، وإما باستدراج العروض أو بالاتفاق بالتراضي.

عن النشأة، الدور والصلاحيات

أُنشئت إدارة المناقصات في العام 1959 بموجب المرسوم التنظيمي رقم 2460/59. وقد أوجب المرسوم رقم 2866/59 (نظام المناقصات) على المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات اعتماد ذات الأسس المطبّقة على الإدارات العامة في ما خص الصفقات العمومية. لكنرغم أهميته، بقي نظام الأسس الموحّدة مجرّد حبر على ورق دون أن يُعمل به. يقع مقرها في مبنى التفتيش المركزي في الحمرا، وهومستأجر، بالمناسبة، وليس ملكاً للدولة. ويبلغ عدد موظفيها 12 موظفاً فقط: مدير عام، مهندسان، أخصائيا معلوماتية وكيمياء، موظفا ملاك(محرّر)، متعاقدان، مستكتب وأجراء. مهمة الإدارة الأساس هي انتقاء أفضل العروض المقدمة لتلزيم الصفقات العمومية، كما إسنادالصفقات العامة بآلية تعاقد سليمة تخضع لمجموعة من الإجراءات والأنظمة التي تُحدّد طرق عملها، وتسمىنظام المناقصات العامة“. منهنا يمتدّ دورها ليشمل اقتراح القواعد التنظيمية، مراقبة تطبيق القواعد الإجرائية، تجميع المعلومات حول الصفقات العمومية ثم تحليلهالاستخدامها في تحضير الموازنة كما عمليات الرقابة على القيمة الموازية للإنفاق.

أما دورها الرقابي، فيندرج في إطار مكافحة الفساد وترشيد الإنفاق العام، من خلال رصد المناقصات المخالِفة وإعلام المؤسسات الرقابيةبها كما إصدار التقارير ذات الصلة لاتخاذ القرارات المناسبة.

نطاق صلاحيات إدارة المناقصات يشمل حالياً جميع إدارات الدولة الرسمية والوزارات، باستثناء كل ما له طابع أمني (أمن داخلي، أمنعام، أمن دولة، إلخ). أما البلديات والمؤسسات العامة (مثل شركة كهرباء لبنان ومجلس الإنماء والإعمار)، فهي تقع خارج نطاق صلاحياتالإدارة. كما يُستثنى منها الصفقات التي لا تتخطى قيمتها مئة مليون ليرة لبنانية متى أجريت بطريقة استدراج العروض. كذلك، فهي تتولّىمسؤولية إبداء الرأي، بناء للطلب، في بعض المناقصات التي تُجرى خارجها، إضافة إلى إجراء المزايدات العمومية.

آليّة العمل

بداية، تُرسل الوزارة المعنية المعاملة إلى إدارة المناقصات محتوية على المستند الرئيسي، أيدفتر الشروط الخاصة، والذي تتم علىأساسه الإجراءات اللازمة والتعاقد لاحقاً مع الطرف الفائز. في حديث معنداء الوطن، يقول مدير عام إدارة المناقصات، الدكتور جانالعلّية: “حين يصلنا دفتر الشروط، نتأكد أولاً من إدراج المناقصة فيالبرنامج السنويالعام للوزارة المعنية والذي يحضَّر مسبقاً استناداًلموازنتها، عدا المشاريع الطارئة التي تحتاج إلى موافقة استثنائية من مجلس الوزراء. كذلك يجب أن يحتوي الملف على المستندات المطلوبة،مع وجود ما يثبت توفّر اعتماد للنفقة موضوع الصفقة، إضافة إلى تصديق دفتر الشروط الخاصة من المرجع الصالح وانطباق أحكامه علىالقوانين والأنظمة. ثم يتعيّن التأكّد من خلوّ دفتر الشروط الخاصة والمستندات من كل ما من شأنه تقييد المنافسة أو ترجيح كفة أحدالمنافسين. شرط آخر أساسي يتمثّل بعدم تجزئة الأشغال أو اللوازم بغية التهرب من تطبيق الأحكام القانونية ناهيك عن صحة تقدير الكمياتوالأسعار“. وبعد أن تُنهي الإدارة عملية التدقيق هذه، تضع ملاحظاتها على الملف وترسل نسخة منه إلى التفتيش المركزي. هنا، إمّا أنتوضح الإدارة المعنية الملاحظات وبالتالي تُطلَق المناقصة على أساس مبدأ الاستجابة، أو يصرّ على عدم الأخذ بالملاحظات، فترسل المعاملةعندها إلى مجلس الوزراء الذي من صلاحياته إصدار قرارإصرار وتأكيدعلى التنفيذ رغم الملاحظات أعلاه (على غرار ما حصل في ملفالطاقة).

وهكذا يتم الإعلان عن المناقصة في الجريدة الرسمية وفي ثلاث صحف محلية كما يُنشر على الموقع الإلكتروني الخاص بالإدارة: www.ppma.cib.gov.lb. تجدر الإشارة إلى أن مدة الإعلان القانونية هي 15 يوماً يمكن أن تُخفّض إلى 5 أيام (بحسب قرار يصدر منالوزير المعني مباشرة بوصفه المرجع الصالح للعقد). وهي مهلة تحضّر خلالها العروض وتُرسل قبل نهايتها إلى قلم إدارة المناقصات التيتحوّلها إلى لجنة التلزيم لدراستها. يُشكل مدير عام إدارة المناقصاتلجنة تلزيممستقلة بعملها تماماً عن الإدارة وتتألف من أصحاباختصاص مهمتهم التدقيق بالعروض المقدمة، ليُرسَل بعدها تقريرالتدقيق إلى ديوان المحاسبة. ويشير العلّية في هذا السياق: “لا نتدخلأبداً في عمل اللجنة إلا إذا طلبت منا الاستعانة بخبير فيقتصر دورنا على تكليف خبير من أصحاب الاختصاص. لكن في حال وجود أيملاحظات من قبلنا على عملها، نرفقها بالمحضر قبل إرساله إلى ديوان المحاسبة“. دور ديوان المحاسبة يتمحور حول المراقبة المالية المسبقةعلى العقد، وغالباً ما يؤخَذ بملاحظات إدارة المناقصات وقد تكون لديوان المحاسبة ملاحظات إضافية على عمل لجان التلزيم. فإذا تمّتالموافقة، تُرسل المعاملة إلى الوزارة المعنية كي يتمّ تنفيذ المشروع، وخلاف ذلك (الأسباب عديدة منها، على سبيل المثال، إيجاد خلل معيّن فيعمل لجنة التلزيم، نصوص احتكارية أو تفضيلية أو حصرية في دفتر الشروط…) يُعرض الموضوع على مجلس الوزراء الذي، ما يلفتالانتباه، أجاز له القانون إمكانية تخطّي قرار ديوان المحاسبة ومنح موافقة مباشرة للشروع بالعمل. سؤال مشروع هنا: لِم الغوص في الآليةالمذكورة طالما يحق لمجلس الوزراء تجاوز الملاحظات والاعتراضات التي قد تتأتى عنها؟

سوء تخطيط ومنافسة غير عادلة

بين النص وتطبيقاته ثمة عقبات عدّة تواجهها إدارة المناقصات، لا سيما أن نظام الصفقات العمومية يتخلله دوماً ثغرات تفسح في المجالللتحايل على القانون. قد يكون مفهوماً من حيث المبدأ أن حالات استثنائية قد تنشأ هنا وهناك لتمنع تنفيذ القوانين بحذافيرها. لكن المشكلةهي في تطبيق الاستثناء حيث يجب ويمكن أن تُطبّق القاعدة. والحال أن من أبرز التحديات التي تواجهها الإدارة، بحسب العلّية: “أولاً غيابالإدارة الموحّدة والمعلومات المركزية، إذ لا تخضع الصفقات المموّلة من المال العام جميعها للإدارة، كما أن الكثير من المؤسسات لا تُزوّدنابمعلومات عن حجم صفقاتها. فنسبة الإنفاق ضمن إدارة المناقصات في مجال الصفقات العمومية لا تتخطى 5% من مجمل الإنفاق العامعليها“.

مشكلة أخرى سببها تخفيض مدة الإعلان إلى خمسة أيام، ما يؤدي إلى إلغاء المنافسة أو الحدّ منها. وهي مشكلة تتفاقم مع عدم التزامالوزارات بإعلان برنامجها السنوي والذي يُعتبر الخطوة العملية الأولى لإعداد موازنتها. كل ذلك يدل على غياب التخطيط في بعض الإداراتما يخلّ بمبدأ العلنية والمساواة، لأن بعض العارضين قد يكونون على علم مسبق بالصفقة في حين أن الراغبين بالدخول في المناقصة لايُعطون الوقت الكافي لإنجاز ملفاتهم خلال مهلة الأيام الخمسة.

نأتي إلى تجزئة الصفقات التي هي مخالفة لا تقلّ أثراً عن غيرها. فالغاية منها تَجنّب الخضوع لرقابة إدارة المناقصات، حيث يتم استدراجعروض مجتزأة لا تزيد قيمة كل منها عن مئة مليون ليرة ويُحصر قرار البت بها مباشرة بالوزارات المعنية. من ناحيتها، فإن القرارات الصادرةعن السلطة التنفيذية بإجراء صفقات بطرق غير تنافسية أو تكليف لجان لتحضير دفاتر شروط بدلاً من الإدارة المعنية أو تعيين أعضاء فيلجان التلزيم، تُعتبر هي الأخرى مخالفة واضحة لأحكام قانون المحاسبة العمومية. ومن الأمثلة: صفقتا تلزيم شبكتي الهاتف الخلوي ومراكزالمعاينة الميكانيكية واستدراج عروض بواخر الطاقة. هذا دون أن ننسى الاتفاقات الرضائية التي تحصل دون مراعاة الشروط العامة.

الاسم سيتغيّرفهل يتفعّل الدور؟

إذ يلفت العلّية إلى عمل الإدارة الدؤوب لناحية المواظبة على رفع دراسات واقتراحات وتقارير إلى الوزارات المعنية، للحدّ من ثغرات التحايلعلى القانون وتوفير هدر المال العام، أعلن عن سلسلة خطوات مستقبلية تتعلق بعمل الإدارة، متمنياً أن تبصر النور قريباً. فقانون الشراءالعام الذي أقرّه المجلس النيابي مؤخراً سيبدأ العمل به ابتداء من شهر تموز.