
فارس سعيد… عنوان سياسي أكبر من دائرة
أهم من نتائج الانتخابات، الترشيحات النيابية المبنية على جمع الحواصل فحسب. وفي غياب أي عنوان سياسي تصبح لترشح فارس سعيد وسجاله مع حزب الله خصوصية سياسية
أي نسبة اقتراع مرتفعة في الانتخابات الأولى بعد التظاهرات وانفجار المرفأ، تعني أن هناك خللاً فادحاً في قراءة الناخبين لكل ما حدث في لبنان. فحين تقدم الترشيحات من دون عنوان سياسي، ويتهافت الناخبون على الاقتراع للشخصيات نفسها وللطارئين الجدد الذين يتمثلون بمن سبقهم، فهذا يعني أن ما يجري منذ سنتين، يحصل في غير زمان ومكان. وأي تهافت انتخابي كما يحصل من جانب المرشحين وإعطاء تبريرات لتغطية دخولهم في لوائح السلطة أو الأحزاب المعارضة تحت ستار «مستقلين متحالفين مع أحزاب»، يعني أن الذين يمارسون عملهم السياسي في لبنان يكاد يعدّون على الأصابع. وطبيعي أن يكون حزب الله أولهم.
في انتخابات عام 2022 نماذج المعارك السياسية قليلة، رغم أن العنوان الأساسي الذي جرى الترويج له والضغط الدولي لإجراء الانتخابات في موعدها على أساسه، سياسي بحت، يعبر عنه حزب الله في أدبياته بوضوح. لكن قلة من السياسيين، في المقابل، يخوضون اليوم الانتخابات بعنوان سياسي، وقلة تشكل ظواهر انتخابية وسياسية، في وقت يصبح المشهد العام مؤلفاً من لوائح فيها خليط من الأسماء والشخصيات التي لا يجمع بينها سوى الحواصل. وهل هناك أوضح من إقرار التيار الوطني بالتحالف الانتخابي مع حركة أمل ظرفياً، والافتراق الحتمي بعد الانتخابات؟
من هنا، يمكن قراءة النموذج الذي يقدمه النائب السابق فارس سعيد، من الزاوية السياسية، وإن كان كثيرون، من فريق العهد وحزب الله، لا يحبّذون هذه القراءة. فحركة سعيد التي تُستهدف بمئات الردود اليومية، تحمل عنواناً سياسياً بحتاً، سواء جرت الانتخابات أم لم تجر. الرجل الباقي من قرنة شهوان ولقاء البريستول وثورة الأرز، ومن الأمانة العامة لقوى 14 آذار ولقاء سيدة الجبل والكثير من اللقاءات والأفكار والنقاشات، يخوض معركته السياسية الانتخابية شبه منفرد. لكن خوضه الانتخابات يتعدّى دائرة جبيل – كسروان، لأنه يعطي للمعركة وجهاً سياسياً منذ ما قبل انفجار المرفأ وما بعده، سواء في معارضته للعهد أو لحزب الله أو حتى لأقرب حلفائه ممن أصبحوا حلفاء سابقين. ولا شك أنه يمثل مشهداً سياسياً وحده، وهو يتعرض لحملات مضادة من داخل قوى المعارضة نفسها، التي تريد أن تتحالف معه بشروطها أو ترفض حتى التحالف معه، ولا تقبل أن تسير بشعاراته أو بطروحاته الانتخابية، ومن التيار الوطني الحر ومن حزب الله سياسياً وانتخابياً.
إحدى ميزات حركة سعيد، في نظام ديموقراطي كما هو يفترض، أنه أعطى بعداً سياسياً للانتخابات من خلال العناوين التي يطلقها تجاه حزب الله وإيران. وحزب الله الذي يكاد يحصر ردوده عليه من دون غيره من السياسيين (عدا عن الادعاء عليه) في خطب مسؤوليه أو عبر حملات مواقع التواصل الاجتماعي، يعطي بدوره للحملة على سعيد بعداً آخر. فسعيد سبق أن حاور حزب الله في بيروت والخارج، ويعرف قادة فيه، ومطّلع تماماً على زواريب السياسة المحلية، ولا يحصرها في جبيل التي يقود فيها معركة انتخابية. وما يميز حملته السياسية أنه يقول بوضوح وعلانية ما يقوله في اللقاءات الخاصة، ولا يترك لحزب الله أو لغيره أن يسرّب عنه لغة مزدوجة كما بعض السياسيين. وحين يخوض حزب الله معركة إعلامية وسياسية، وليس انتخابية مشروعة فحسب، ضد سعيد، يعطي صورة الحزب الذي لا يتحمل نقداً، ويريد نوعية من السياسيين الذين يداهنونه علناً ويخوضون في مجالسهم الخاصة معركة ضده. ولا شك أن حزب الله يعرف من هؤلاء الكثير من بين حلفائه الأقربين، وما ينقل عنهم في جلسات نقاش حامية تتعدى الكلام عن تفاهمات استراتيجية وحلف الأقليات.