
هل يتم افتعال ازمة محروقات على باب الانتخابات؟
على ما هو واضح في عمق المشهد الانتخابي، فإنّ أزمة الأطراف الحزبية وعلى وجه الخصوص أصحاب الشعارات الكبيرة، أقلّ وطأة من أزمة القوى الحراكية التي صنّفت نفسها ثورية وتغييرية، فالأحزاب تبدو وكأنّها اعترفت بمبالغتها في رفع سقف الشعارات والطموحات، ولذلك نحت الى تجييش جمهورها، بذات الشعارات الكبرى، إنما لتحقيق هدف اقل تواضعاً، وهو المحافظة بأي ثمن، على نسبة التمثيل الحالية في مجلس النواب، علماً انّ بعضها اصطدم باحتمال ان يتراجع تمثيله عمّا كان عليه في المجلس النيابي الحالي، في ذلك بالتأكيد ضربة سياسية ومعنوية قاتلة، خصوصاً امام الجمهور الذي جرى إيهامه يوماً بأنّ التغيير صار في متناول اليد.
وفي المقابل، يتبدّى تشتّت القوى المدنية الرافعة لواء التغيير، حيث وجدت هذه القوى نفسها في مواجهة مع احزاب ركبت موجتها منذ 17 تشرين الاول 2019، كما في مواجهة مع نفسها وفي تعدّد الرؤوس والتوجّهات فيها، وهو الأمر الذي حال دون تمكّنها من التوحّد ضمن لوائح «قوية»، أو لوائح مشتركة، قادرة على تحقيق بعض من وعودها التي قطعتها منذ 17 تشرين، وإحداث اختراقات تكسر الواقع القائم.
وإذا كانت الصورة الانتخابية تشي مسبقاً بتقدّم الأحزاب على القوى الحراكية، الّا انّ طريق هذه الاحزاب الى الانتخابات لا تبدو مزروعة بالورود، إذ انّ الخصم اللدود لها يوم الاستحقاق ليست اللوائح المنافسة لها، بل هي نسبة الاقتراع التي تؤشر كل الدراسات والاستطلاعات، انّها ستكون الأدنى في تاريخ الانتخابات النيابية التي شهدها لبنان. وبالتالي، فإنّ المعركة الحقيقية للأحزاب هي مع المزاج الشعبي الذي اعلن يأسه من الطبقة الحزبية والسياسية، وفي محاولة إقناع الناخب وجذبه الى صناديق الاقتراع، وخصوصاً انّ هذه الاحزاب تدرك انّه مع تدنّي نسبة المقترعين تبقى كل الاحتمالات واردة.
أزمة محروقات؟! وفي موازاة المزاج الشعبي «المعوكر سياسياً» والناقم على الأحزاب والطّاقم الحاكم، ثمّة عامل أساس، لحظته إحدى الدراسات الانتخابية، التي رجّحت انّه قد يكون المساهم الأكبر في تخفيض نسبة الإقتراع، وهو كلفة نقل الناخبين، الذي سيرتب بالتأكيد أعباء كبيرة على الأحزاب والمعنيين بهذا الاستحقاق، الّا انّ العبء الاكبر سيكون على الناخب، الذي وإن أراد ان يقترع طوعاً، فإنّه في موازاة الضائقة التي يعيشها، سيجد نفسه مصدوماً بالكلفة العالية التي سيتكبّدها لقاء تأمين بنزين لسيارته، وهو ما يجعله يحجم عن المشاركة في عمليات الاقتراع.
على انّ أهم ما تشير اليه تلك الدراسة، هو احتمال غير مستبعد قد يلجأ اليه المتضرّرون من إجراء الانتخابات، بافتعال أزمة محروقات على باب الانتخابات، وهذا الأمر إن حصل، من شأنه ان يشكّل عامل تعطيل لهذه الانتخابات بذريعة عدم تمكّن الناخبين من الوصول الى بلداتهم وقراهم لممارسة حقهم الانتخابي.