يأخذ الحزب الأكثرية ويبقى في المعارضة؟

يأخذ الحزب الأكثرية ويبقى في المعارضة؟

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
6 نيسان 2022

إذا أعاد “حزب الله” أكثريته النيابية كما هو متوقع وإن بعدد أقل من النواب عن عام 2018 ، فهل سيتحمّل مسؤولية إدارة شؤون البلد أم سيستمرّ كما لو أنه دوماً في مقاعد المعارضة رامياً التبعات على الآخرين ولا يتحمّل تبعة ما يدفع إليه من قرارات أو ما يمارسه من تعطيل؟

السؤال يثيره ديبلوماسيون أجانب في بيروت من زاوية أن الحزب أوصل حليفه العماد ميشال عون الى الرئاسة الأولى وامتلك الأكثرية النيابية وكذلك الغالبية في الحكومات المتعاقبة، ولكنه رمى كما حلفاؤه في السلطة المسؤولية في الوصول الى الانهيار على الآخرين. لا بل إنه تمتع مع حلفائه بحكومة كلية له برئاسة حسان دياب اتخذت القرارات التي سرّعت في الانهيار المصرفي وفي فقدان احتياطات المصرف المركزي، فيما يبقى الحزب نفسه في مقاعد المعارضة وتسجيل مآخذ على الآخرين وإطلاق اتهامات بالفساد والهدر فيما هو دفع مع حلفائه لبنان خارج محيطه العربي ما ترك تداعيات قاتلة على لبنان.

لن يعفى الحزب بعد الانتخابات النيابية من هذه المسؤولية في المرحلة المقبلة في ظل استقتاله لنيل الاكثرية النيابية مجدداً وتالياً الاكثرية الحكومية والرأي المرجح والحاسم في اختيار رئيس الجمهورية كذلك. هذا ما يحصل في الديموقراطيات إن كان الحزب يعمل بهذا المبدأ وسيتحمّل مسؤولية عدم التفاوض مع صندوق النقد الدولي وكذلك مسؤولية منع إجراءات إصلاحية إنقاذية للبلد وحتى في موضوع إعادة العلاقات مع الدول العربية أو إبقاء لبنان معلقاً على هامش المحورية الإيرانية وكذلك الامر بالنسبة الى ترسيم الحدود مع إسرائيل وحل مأزق الهدر الكارثي في ملف الكهرباء والذي كان ولا يزال في عهدة حليفه المسيحي منذ أكثر من عقد. فالخطاب الذي استخدمه حتى الآن وطوال الأعوام الماضية كان على خلفية القيادة من الخلف لإبقاء هامشه متاحاً ليس للعب على وتر المعارضة فحسب بل للعب على وتر “المقاومة” أيضاً. فالخطاب الانتخابي المستخدم من أجل تحفيز الناس على الاقتراع، وبغض النظر عن قدرته على إقناع الناخبين من عدمها، يطمح الى إعادة تكرار تراكم عددي يخدم أهداف الحزب تاركاً لنفسه هامشاً للتعطيل المستمر فيما هو المسيطر على الحكم وعلى القرار في لبنان.

يسجل البعض ملاحظته في الأيام الأخيرة لإعادة تصويب هذا الخطاب على قاعدة أن لبنان لا يُحكم إلا بالتوافق وهو على الأرجح التفاف على احتمالات تركه مع حلفائه لإدارة البلد على رغم أن هؤلاء يؤكدون أن الحزب لن يستطيع أن يعيد تجربة حسان دياب الكارثية التي كان يفترض أن تشكل مرحلة انتقالية ناجحة تنقل الحزب وحلفاءه الى مكان آخر على قاعدة النجاح في عبور مرحلة حرجة بعد الانتفاضة في ٢٠١٩، ولكن هذا لم يحصل بل إن ما حصل شكل العكس تماماً.

يعتقد كثر أن الحزب سيتمسّك بالرئيس نجيب ميقاتي بعد الانتخابات من أجل تأليف حكومة جديدة للبقاء في مقاعد القيادة الخلفية وعدم تحمّل المسؤولية في تسمية رئيس حكومة على غرار حسان دياب، فيما أوراق ميقاتي ستتعزز أكثر إذا أحسن استخدامها لرفع سقف شروطه من أجل تسهيل الحزب خطة الحكومة على رغم أن هذه مستبعدة كلياً في الأشهر الفاصلة بين الانتخابات النيابية وموعد الانتخابات الرئاسية التي سيلقى تأجيلها أو تعطيل حصولها كما جرى بالنسبة الى إيصال العماد ميشال عون بعد عامين ونصف العام من الفراغ، إذ إن الانهيار المتدحرج يجب أن يأخذه الحزب في الاعتبار ولن يكون صحيحاً في أي حال أنه مع بيئته سيكون بمعزل عن التداعيات المحتملة لهذا الانهيار الذي لا يتصوّر الديبلوماسيون المعنيون أن الحزب وكذلك الحلفاء الذين سيحكم معهم بأكثريته الجديدة قد يتمكنون من إدارة الظهر لخطوات الإصلاح والإنقاذ كما فعلوا حتى الآن، وذلك على رغم الإقرار بأن هذا السيناريو نفسه للامبالاة والإنكار واجهه اللبنانيون بعد انتفاضة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ ولم يصدقوا أن مصلحة أهل السلطة قد تكمن في دفع البلد الى الانهيار والإفلاس ولكنهم فعلوا ذلك ولا يزالون، إذ يكفي أن عودة القوى السياسية الحاكمة التي كانت فقدت ثقة الخارج واتهمت بالفساد وكانت فقدت شرعيتها الشعبية قد ترغم هذا الأخير على التعامل معها من جديد على قاعدة أن هذا ما أفرزته الانتخابات مهما يكن سوء قانون الانتخابات أو نسبة الاقتراع المنخفضة. ولكن سيوضع هؤلاء مجدّداً أمام تحدّي الاتجاه الذي سيأخذون البلد إليه، وهنا مسؤولية الحزب قبل الآخرين باعتبار أنه كما أعلن أمينه العام سيشكل رافعة لحلفائه في الانتخابات ما يجعلهم جميعاً في حضنه بمن فيهم الحليف المسيحي، ما يرتب عليه مسؤولية مضاعفة إزاء كيفية إدارة البلد وحده معهم أو تأمين مشاركة فاعلة من الآخرين لا مشاركة شكلية أو واجهة، فيما هو يستمر في الحكومة والمعارضة وفي توجيه القرارات وتعطيل البلد.

ولا يستبعد البعض ضغوطاً في المرحلة المقبلة على ميقاتي أو أي بديل منه لعدم القبول برئاسة الحكومة إن كان الواقع السياسي سيشكل استمرارية للواقع الراهن، علماً بأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمكن أن يكون محطة فاصلة إذا أحسن اختيار الشخصية التي يمكن أن توجّه رسائل إيجابية للداخل والخارج على حد سواء.