تسوية «واقعية» أم صدمة جديدة لماكرون؟

تسوية «واقعية» أم صدمة جديدة لماكرون؟

الكاتب: طوني عيسى | المصدر: الجمهورية
8 نيسان 2022

ثمة برنامجُ عملٍ يحضِّر الرئيس إيمانويل ماكرون لتنفيذه بشأن لبنان، بعد فوزه بولاية جديدة في حزيران، كما يرجِّح الخبراء. ولكن، هل لهذا البرنامج حظوظ النجاح، بعدما فشلت كل مبادرات باريس منذ 2018 ومؤتمر «سيدر»؟

ليس بسيطاً خلط الأوراق الجاري دولياً وإقليمياً، بتأثير من حرب أوكرانيا. فقد كشفت الحرب أنّ أعداء إدارة الرئيس جو بايدن في العالم ليسوا أقلّ من أعداء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بل هم أكثر بكثير.

 

عندما جاء بايدن كان يسود الاعتقاد أنّه سيرمم العلاقات المضطربة مع الحلفاء الأوروبيين، وسينعش الحلف الأطلسي، وسيحافظ على العلاقات الوثيقة مع الخليجيين العرب، وسيحلّ الأزمة مع إيران، وسيوقف التورُّط في وحول أفغانستان والشرق الأوسط. وكل ذلك، كي يتفرَّغ للمواجهة المفتوحة مع روسيا والصين.

جاءت حرب أوكرانيا لتُبدِّل الحسابات: فلا بايدن وجد مصلحة في أن يضع كل قوته إلى جانب أوكرانيا، وهي تمثّل الحدود الشرقية للحلف الأطلسي، ولا الأوروبيون وجدوا مصلحة في فتح مواجهة مكلّفة جداً مع روسيا.

 

وأما في الشرق الأوسط، فلم يجد الخليجيون مصلحة في إحراق مراكبهم مع موسكو وتسخير النفط والغاز في خدمة بايدن، وهو الذي «يشمت» بهم كلما تعرَّضوا للضربات الحوثية. وحتى الإيرانيون الذين كانوا متحمسين لتوقيع اتفاق في فيينا أوقفوا مسار التنازل، وباتوا يريدون أكثر. وفي الخضم، وجد الإسرائيليون فرصةً لرسم خريطة تحالفات شرق أوسطية جديدة.

 

على الأرجح، إذا طال أمد الاستنزاف في أوكرانيا، وانغماس روسيا والولايات المتحدة والأوروبيين في الصراع، فإنّ مزيداً من التفسّخات سيظهر، خصوصاً في أوروبا والشرق الأوسط. وستتّسع الهوّة بين إدارة بايدن والأوروبيين، بدءاً بألمانيا. كما ستتسع الهوّة بين واشنطن والخليجيين العرب.

وفي الموازاة، الخليجيون تقاربوا مع الأوروبيين، وباتوا أكثر حرصاً على علاقات متوازنة شرقاً، أي مع إيران وروسيا والصين. وهذا الأمر يدفع إسرائيل إلى الاستنفار إقليمياً منعاً لاستفرادها.

 

داخل هذه الشبكة المعقَّدة من التناقضات والمصالح الإقليمية والدولية، يمكن إدراك الاتجاه الذي سيسلكه لبنان في المرحلة المقبلة. فلا إيران قادرة على حسم المعركة تماماً في لبنان، ولو ربحت الانتخابات. ولا إسرائيل قادرة على استغلال الفوضى لفرض خياراتها.

 

ولكن، هناك محاولات يبذلها الفرنسيون لإمرار تسوية في الوقت الضائع. وعلى مدى 4 أعوام مضت، وخصوصاً بعد انفجار 4 آب 2020 في المرفأ، حاول ماكرون أن يقود مبادرة في لبنان تحصل على تغطية من الأميركيين والإيرانيين والعرب، ليقطف ثمار الوساطة. لكنه واقعياً يتعثّر في التوافق مع بايدن كما تعثّر مع ترامب، ولا يتجاوب معه الإيرانيون لأنّهم ينتظرون نهايات التفاوض في فيينا.

 

اليوم، يجد ماكرون أنّ الفرصة سانحة لإثبات وجهة نظره القائلة بـ»الواقعية» في لبنان. وهو لا يراهن على تغيير سياسي من خلال صناديق الاقتراع، كما فعل الأميركيون أحياناً. ويعرف أنّ تركيبة السلطة بعد الانتخابات لن تختلف عمّا كانت قبلها. ولذلك، هو بدأ حَراكاً يؤسس لتسويةٍ بعد الاستحقاقين اللبناني (أيار) والفرنسي (حزيران).

وهذا الحَراك يرمي إلى تشجيع الأطراف اللبنانية والقوى الدولية والإقليمية المؤثّرة، على عقد مؤتمرٍ حوارٍ ينتهي بتسوية «واقعية» لا يشعر فيها أي طرف بأنّه مهزوم. ويعتقد ماكرون أنّ من الممكن تحقيق هذا الهدف، خلال هذه الفترة، خصوصاً أنّ واشنطن تخفّض طموحاتها في الشرق الأوسط ولبنان، تحت تأثير انشغالاتها بالصراع الدولي.

 

وقد بعثت باريس برسائل تطمين إلى إيران مفادها أنّ «حزب الله» سيشارك في التسوية من الموقع الذي يستحقّه على الطاولة، كأي طرف لبناني آخر، ولن يتمّ استفراده. وفي المقابل، هي شجعت الخليجيين على استعادة حضورهم في لبنان لتحقيق التوازن، ولئلا تقوم طهران بملء الفراغ الناتج من انسحابهم.

وتَأمل باريس في استضافة هذا المؤتمر، باعتبارها نقطة محايدة، ولا تشكِّل إحراجاً لأحد في صراع المَحاور، لا بين إيران والسعودية ولا بين إيران والولايات المتحدة. وللفرنسيين تجارب عديدة في رعاية مؤتمرات الحوار ومؤتمرات الدعم الدولية للبنان.

 

ثمة مَن يقول إنّ ماكرون الذي ارتفعت حظوظه الانتخابية، نتيجة دوره الحيوي في حرب أوكرانيا، يرغب أيضاً في الاستفادة من نجاح دوره كوسيط في الشرق الأوسط لتدعيم موقعه الانتخابي. وفي أي حال، هو اليوم أكثر ثقةً بعودته إلى الإليزيه، ويسعى إلى تحضير الأرضية لمبادراته بعد انطلاق الولاية الجديدة.

ويؤكّد المتابعون أنّ زيارة البابا فرنسيس للبنان، في حزيران، جرى التنسيق في شأنها مع فرنسا، وهي تنسجم مع المبادرة لإنتاج تسوية تراعي هواجس كل المجموعات. وفي تقديرهم أنّها ستتمّ في حزيران أو ستتأخّر، وفقاً لمدى نجاح التسوية وتحضير الأرضية التي تتيح حصولها بشكل ناجح.

 

فهل هناك حظوظ حقيقية للمبادرة الفرنسية، أم يتلقّى ماكرون صدمة جديدة؟

الأرجح أنّ المبادرة الفرنسية تلتقي مع مصالح الخليجيين، ولذلك هم تجاوبوا معها سريعاً. ولكن، ليس واضحاً ما يفكّر فيه الإيرانيون الذين لطالما رفضوا تسهيل أي مبادرة إلّا بعد تبلور الصفقة مع واشنطن.

وكذلك، ليس واضحاً إذا كان الأميركيون سيمنحون باريس تغطيتهم، خصوصاً إذا اتّسع الشرخ بينهم وبين أوروبا على خلفية الحرب في أوكرانيا. ففي يد واشنطن أوراق كثيرة لتعطيل التسويات. وفوق ذلك كله، ماذا تستطيع إسرائيل أن تفعل إذا كانت متضرِّرة، وقرَّرت التعطيل أيضاً؟