مخاطر ضياع أصوات المقترعين في انتخابات 2022

مخاطر ضياع أصوات المقترعين في انتخابات 2022

الكاتب: عاصم شيا | المصدر: النهار
23 نيسان 2022
يتطلع اللبنانيون الى الانتخابات التشريعية في الخامس عشر من شهر أيار المقبل بكثير من القلق واليأس، خاصة أنها لا تشبه سابقاتها لا بالشكل ولا بالمضمون، سوى بقانون الانتخاب الذي فُصّل على قياس الثنائيات الزعاماتية الطائفية، مستخدماً النظام النسبي بدوائر صغيرة، غير متساوية وهجينة، ما يمنع وصول المرشّحين المستقلين غير المنضوين ضمن أحزاب، معطوفاً عليها عتبة انتخابية تساوي الحاصل الانتخابي، الذي يُستخدم في القوانين التي تهدف لحصر مقاعد البرلمان في أيدي الأحزاب الكبرى. كما يتضمّن القانون 44/2017 بعض التقنيات التي تساعد هذه الزعامات في وضع استراتيجيات التحالفات الهجينة التي تأمّن لهم احتكار الحواصل الانتخابية وخداع الخصوم والناخبين معاً.
هذه الانتخابات تأتي بعد محطات قاسية غير مسبوقة عايشها اللبنانييون بعد السابع عشر من تشرين الأول 2019، كان أبرزها سرقة ودائعهم عبر تعاميم حاكم مصرف لبنان، وكارثة تفجير مرفأ بيروت وتدمير بيروت في الرابع من آب 2020، وما تبعها من فشل في إدارة الدولة ومؤسساتها، والأزمات المفبركة بمعظمها، من انقطاع للدواء والطحين والمحروقات، وإذلال اللبنانيين في طوابير لأجل تأمين سبل عيشهم.
انتخابات ينتظرها المجتمع الدولي كما اللبنانيون لتحديد ممثلي الشعب وتجديد الشرعية، ويتوقف على إجرائها تقديم المساعدات الدولية لمنع وصول الدولة الى الإفلاس. كما ينتظر البرلمان المقبل تحديد مستقبل لبنان وحياده أو بقائه ورقة تفاوض في لعبة المحاور الإقليمية والدولية. كذلك تنتظره مسؤولية تكليف رئيس حكومة يحوز ثقة اللبنانيين ويضع خطة نهوض لبنان من الانهيار، واستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية بعد أشهر قليلة من تولّي المجلس العتيد السلطة التشريعية.
وعلى عكس ما تروّج له السلطة الحاكمة وبعض أبواقها، من أن الانتخابات المقبلة تشبه سابقاتها ولن تأتي بتغيير، في محاولة للعب على معنويات الناخبين، خاصة أولئك الذين استقالوا من تلك الاحزاب أو لن يقترعوا لها، أو الذين اعتادوا عدم المشاركة في التصويت، ليأسهم من إمكانية التغيير، علماً بأن الطبقة السياسية مجتمعة، التي حكمت منذ 2005، لم تحصل سوى على 39% من أصوات الناخبين البالغين 3746483 في انتخابات 2018، الذين شارك منهم 1861203 مقترعاً، أي ما نسبته 49.6% من الناخبين، منهم 10.6% من الأصوات كانت إمّا أوراقاً باطلة 38909 أو أوراقاً بيضاء 15029 أو أتت لمصلحة النخب الجديدة. بتعبير آخر، 10.6% الباقية من 49.6% كانت موزعة على الشكل الآتي: ما يفوق 2% أوراق باطلة بسبب سوء تصميم ورقة الاقتراع وعدم وضوحها للناخب، وسوف نأتي على ذكر طرق إصلاحها لاحقاً، و ما يفوق 0.8% أوراق بيضاء بسبب عدم رضى الناخبين عن المرشحين وجهلهم لتبعات احتساب الحاصل الانتخابي الذي ضمّ الأوراق البيضاء ما جعل الحواصل الانتخابية ترتفع وتمنع اللوائح الصغيرة من الحصول على مقاعد، وتسمح للوائح الأحزاب الكبرى وتحالفاتها باحتكار المقاعد البرلمانية على حساب التمثيل الصحيح، أي إن الأصوات التي لم تتمثل سوى بمقعد واحد فقط كانت 7.7% فيما 39% حصلت على 127 مقعداً.
هذا الترويج بأنّ انتخابات 2022 لن تأتي بجديد في النتائج وبقاء سيطرة أحزاب السلطة، إنما يهدف الى خفض نسبة مشاركة خصوم هذه السلطة قدر المستطاع، بما يساعد هذه الأحزاب على عودتها لاحتكار مقاعد المجلس النيابي بأصوات الأقلية من الناخبين. فقد رُفع سقف الإنفاق الانتخابي الخيالي الى مئات المليارات من الليرات اللبنانية للّائحة الواحدة، ضمن التعديلات التي أقرّها المجلس النيابي في تشرين الثاني من العام الماضي، لأجل شراء أصوات الناخبين بعد إفقارهم من خلال كل الأزمات المفبركة التي ذكرناها، تحت مسمّيات مصاريف الحملات الانتخابية وتكاليف نقل الناخبين التي ذكرها القانون 44/2017 في المادة 61 منه، والهرطقة القانونية في المادة 62 الفقرة الثانية، التي أجازت للسلطة الحاكمة شراء أصوات الناخبين من خلال تقديم المساعدات النقدية والعينية ومنعت خصوم هذه السلطة من فعلها في الفقرة الاولى منها.
كل هذا وأكثر دليل على تخبّط السلطة السياسية وخوفها من نتائج انتخابات 2022، مستخدمةً كل الأساليب القانونية وغير القانونية، والأساليب الملتوية التي استخدمتها في انتخابات 2018 والتي كان أبرزها نقص أقفال الصناديق، علماً بأن المعايير الدولية الأساسية هي ضمان شفافية ونزاهة العملية الانتخابية، وحماية أصوات الناخبين من التلاعب بها، خاصة إن أتت نتائج تلك الصناديق في غير مصلحة الطبقة الحاكمة والمكلّفة إدارة الانتخابات. فمن المتعارف عليه دولياً إقفال الصندوق بأربعة أقفال على الجوانب الأربعة له، وقفل خامس مكان وضع أصوات المقترعين، حال انتهاء عملية الفرز، بعد وضع المحاضر وأوراق الاقتراع وكل الأوراق والمواد الهامة داخله، وحصول مندوبي المرشّحين على أرقام هذه الأقفال، والتأكد لاحقاً من هذه الأقفال إذا طلب أحد المرشّحين أو المندوبين من لجان القيد إعادة فرز الأصوات. لذلك، إن عدم إقفال صناديق الاقتراع بالأقفال الخمسة، يؤدي الى التلاعب بنتائج الانتخابات. وعلى المراقبين المحليين والدوليين كما على المرشحين التأكد من أن وزارة الداخلية سوف تؤمّن أقفالاً كافية في لبنان والخارج، لضمان حماية صناديق الاقتراع من التلاعب وتأمين نزاهة الانتخابات.
إضافة الى مخاطر ضياع أصوات الناخبين عبر التلاعب بالصناديق من خلال نقص الأقفال، هناك خطأ أساسي في تصميم ورقة الاقتراع، فبعدما أقر القانون 44/2019 أحد أهم الإصلاحات التي قد تكون الوحيدة في هذا القانون، وهي ورقة الاقتراع المطبوعة سلفاً من قبل وزارة الداخلية والتي تتضمّن جميع اللوائح المترشحة للانتخابات، فإن تصميم هذه الورقة غير واضح لجهة عملية التصويت التفضيلي لمرشح من ضمن مرشحي الدائرة الصغرى (القضاء الذي ينتمي له الناخب) في الدوائر المركّبة، أي المكونة من عدة أقضية، وهذا التقسيم الهجين للدوائر الانتخابية وغير المتساوي، لا يستند الى أي معيار علمي أو تقني، فقط تأمين فوز المنظومة الحاكمة بأكبر عدد ممكن من المقاعد. هذه الورقة جاءت بتصميم أدى الى خسارة 38909 أصوات مقترعين، احتسبت أوراق اقتراع باطلة بسبب عدم وضوحها، فيما 34147 صوتاً لحزب الكتائب أكسبته ثلاثة مقاعد، و 31206 أصوات سمحت لتيار المردة بالحصول أيضاً على ثلاثة مقاعد، بمقاربة لحجم الاصوات التي احتسبت باطلة بسبب تصميم ورقة الاقتراع ونقص تثقيف الناخبين.
نرفق لكم في الصورة الاولى مثالاً عن الاوراق التي اعتمدت في انتخابات 2018، وتصميماً أوضح وأسهل للناخبين في الصورة الثانية:
 
 
 
 
فمع أن ورقة الاقتراع الاولى لم تفصل مرشحي الدوائر الصغرى بعضهم عن بعض، ولم تميّز بين مرشحي الدوائر الصغرى، سوى من خلال إغلاق خانات الصوت التفضيلي عبر استخدام اللون الاسود. نعرض لكم التصميم الثاني الذي يفصل عبر الخانة الصفراء على يمين ورقة الاقتراع بين الدوائر الصغرى، كما يبعد مرشحي كل دائرة صغرى بعضهم عن بعض، إضافة الى إزالة صور مرشحي الدائرة الصغرى التي لا يُسمح للناخبين بالتصويت التفضيلي لها خاصة أن ثقافة معضم الناخبين اللبنانيين تقوم على مبدأ الشخصانية والتصويت لزعماء على حساب التصويت لبرامج انتخابية. بذلك يسهل عمل تثقيف الناخبين ويخفف قدر المستطاع من الأصوات الباطلة الناجمة عن جهل بعض الناخبين، خاصة أولئك الذين لم تستهدفهم الماكينات الانتخابية في عمليات استقطاب ناخبيها وتوجيههم في عملية توزيع الأصوات بين مرشحيها. كما أن سماكة ورقة الاقتراع لم تكن كافية لجهة سرية الاقتراع، مرفقة بتبرير من وزارة الداخلية السابقة بأن الظرف الذي يجب أن توضع فيه ورقة الاقتراع يؤمّن الحماية للسرية. ولكن استخدام الظرف إنما يؤدي الى احتمالية استخدام الورقة “الدوّارة” وتزوير الانتخابات عبر شراء الأصوات، أي أن يحتفظ أحد الناخبين بورقة الاقتراع ويضع الظرف فارغاً في صندوق الاقتراع، على أن يسلّم هذه الورقة لماكنته الانتخابية، التي بدورها تبدأ بعملية شراء الأصوات من خلال إدخال الورقة ممهورة لمصلحة أحد مرشحي هذه الماكينة الانتخابية مع الناخب الاول، على أن يخرج من مركز الاقتراع بالورقة البيضاء ويتسلّم المبلغ المتفق عليه، وهكذا دواليك تتم عملية تزوير إرادة الناخبين عبر شراء الأصوات. لذلك نوصي بإلغاء استخدام الظرف واعتماد ورقة اقتراع أكثر سماكة تضمن سرّية اقتراع الناخب بما لا يسمح للموجودين داخل قلم الاقتراع بمعرفة خيار الناخب.

هذان العاملان – أقفال الصناديق وتصميم أوراق الاقترع – يشكلان الخطر الأكبر على ضياع أصوات المقترعين، يضاف إليهما وجود الظرف في عملية الاقتراع، وسقف الإنفاق الانتخابي الذي يعزز الزبائنية عبر شراء الاصوات.

لذلك على هيئة الإشراف على الانتخابات أخذ هذه التوصيات في الاعتبار والطلب من وزارة الداخلية إجراء ما يلزم لتأمين أقفال كافية، وأوراق اقتراع أكثر وضوحاً للناخب وأكثر سماكة، مع إلغاء استخدام الظرف الممهور في عملية الاقتراع، آملين مشاركة أكبر عدد ممكن من الناخبين و إجراء هذه الانتخابات المصيرية بكل شفافية ونزاهة، بما يؤدي الى إيصال أصوات الناخبين وتمثيلهم من قبل من يختارونهم لولاية المجلس القادم، لتدارك تبعات الانهيار وإفلاس الدولة.

هذا صوتي وصوتي هو حقي الدستوري لإحقاق التمثيل الصحيح في الانتخابات.