أكثريّة “حزب الله” للتّعطيل والتّفاوض … وفائض القوّة لحسابات إقليميّة!

أكثريّة “حزب الله” للتّعطيل والتّفاوض … وفائض القوّة لحسابات إقليميّة!

الكاتب: ابراهيم حيدر | المصدر: النهار العربي
1 ايار 2022
تراجع الزخم الذي اكتسبته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وسقطت كل الرهانات في أن تكون حكومة إنقاذ، ولم تتمكن من التقدم في تنفيذ المشاريع الإصلاحية المطلوبة، حتى في ما يتعلق بالاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي. ستتحول الحكومة إلى تصريف الأعمال بعد 15 أيار (مايو) 2022، أي بعد إجراء الانتخابات النيابية، وبات تركيز القوى السياسية والطائفية في لبنان على المرحلة المقبلة، إن كان في تسمية رئيس مكلف للحكومة ثم تشكيلها والتحضير لمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث تسعى أطراف إلى الحصول على الأكثرية لفرض تسويات لمصلحتها، مستندة إلى فائض القوة واختلال التوازنات، لا سيما “حزب الله” وفريقه الذي يريد أن يكرّس الأمر الواقع والهيمنة القائمة، على الرغم من غرق البلد كله في أتون الانهيار.
تلاشى أيضاً الزخم في المشهد الدولي، عندما كانت المفاوضات حول الملف النووي تقترب من توقيع الاتفاق، وما يمكن أن يحمله من تداعيات على المنطقة كلها، ومن بينها لبنان. وبات الحل للمشكلة اللبنانية أصعب بكثير من السابق، بعد انهيار كل القطاعات والمؤسسات، في ظل العجز عن إيجاد حلول ولو مرحلية، فيما تتهاوى معالم الدولة ويغرق لبنان في الفوضى، والدليل إلى ذلك أن مؤسسات القطاع العام باتت فارغة من الموظفين ولا تعمل سوى يوم واحد في الأسبوع لتسيير المعاملات المتراكمة. وعلى هذا لم تعد المعادلة الداخلية قادرة على إنتاج تسويات، وإن كان الجميع يذهبون إلى الانتخابات لحجز مقاعد تفيدهم في التوازنات السياسية المقبلة، حيث يخوض “حزب الله” معركة، لا تتعلق فقط بوجوده والحصول على أكثرية نيابية، بل أيضاً لتحجيم القوى المقابلة والخصوم، وهو أمر برز بضغوطه على المرشحين الشيعة في اللوائح المقابلة، خصوصاً في منطقة بعلبك – الهرمل، حيث انسحب ثلاثة منهم على لائحة واحدة شكلتها القوات اللبنانية.
يسعى “حزب الله” إلى خلخلة التوازنات الداخلية من خلال ضغوطه في الانتخابات، والهدف الحصول على الأكثرية وكسر موازين القوى، والتحكم بالاستحقاقات المقبلة. ليس هذا وحسب، فالحزب وحتى القوى التي تخوض المعركة تحت العنوان السيادي في مواجهة قوى الممانعة، يضعان في الحسبان احتمالات حصول مفاوضات إقليمية ودولية حول لبنان، وبالتالي يختلف الذهاب إليها أو المشاركة فيها وفقاً للموازين، خصوصاً أنه بات واضحاً أن الحل اللبناني محكوم بتوازنات إقليمية ودولية.
تترافق معركة “حزب الله” الانتخابية مع استعراض القوة، فهو يقدم بنيته على أنها تحمي البلد في مواجهة إسرائيل بديلاً من الدولة، وفي المقابل ينطق باسم مرجعيته الإيرانية وحساباتها وإطلاق الرسائل التي تخدم مصالحها، وهذا في حد ذاته ينعكس على الانتخابات ونتائجها، ويفتح الطريق إلى الهيمنة السياسية على البلد أو الوصاية والإمساك بالقرار في المرحلة المقبلة. لكن الحزب الذي يرفع سقف مواقفه ومضمون خطابه، خصوصاً بعد تراجع احتمالات توقيع الاتفاق النووي، لم يستطع تأمين المتطلبات الضرورية لجمهوره فكيف يمكنه توفيرها للبلد كله. وعلى هذا فشلت خطته لاستيراد المحروقات ولم يتمكن من معالجة حاجات إلا جزءاً ضئيلاً لبعض المناطق خلال استيراده للنفط الإيراني، حتى لو تعهّد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بدعم لبنان بالطاقة والكهرباء.
عاد “حزب الله” إلى الاستعراضات الجماهيرية لتعبئة العصب واستعادة المبادرة، بعدما انعكست الأزمة في البلد على الجمهور الشيعي نفسه، وكان واضحاً في يوم القدس العالمي كلام نصر الله المرتفع النبرة في المواجهة، وهذا وحده يغطي على عدم قدرته على حل مشكلات الناس إلا بالاستعراض واستعادة فائض قوته المسلحة وإبرازها مجدداً، وهذا يعني أن قوة الحزب هي بدوره الإقليمي والخارجي، ما يفرض عليه استعادة هذا الخطاب دائماً لاستنهاض جمهوره وإخفاء عجزه عن معالجة الأوضاع الداخلية، حتى لو حاز الأكثرية النيابية وتحكم بالقرار السياسي في البلد.
وبينما يسعى خصوم الحزب إلى خوض المعركة الانتخابية لمنعه من التحكم بشؤون البلد بوصاية شاملة، حيث تدور المواجهة بين محورين، فلا يبدو أحد مهتماً بإنقاذ لبنان المهدد بوجوده. وهذه النقطة الأخيرة هي التي تفرمل إمكان الوصاية الشاملة على البلد، فحتى لو تمكن “حزب الله” من نيل الأكثرية، فإن الإنقاذ يحتاج إلى مساعدات وإلى رعاية دولية وإقليمية، وهو أمر لا تستطيع إيران التصدي له، حتى لو تم توقيع الاتفاق النووي، ولا حتى الذهاب إلى الشرق الذي نادى به الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
لكن الهدف الأساسي في المرحلة الحالية يبقى بالنسبة إلى “حزب الله” الحصول على الأكثرية، لاستخدامها عند الحاجة، لكنها لا تغير الوقائع الراهنة ولا تعطيه القدرة على نسف الصيغة نهائياً من دون تغطية إقليمية ودولية للحل الشامل. طموح الحزب أن يأتي برئيس للجمهورية، لكنه لن يتمكن من ذلك حتى بأكثرية مريحة. أكثر ما يستطيع فعله في ظل التوازن الطائفي اللبناني أن يرجح اسماً لا بد من إدراجه ضمن تسوية برعاية إقليمية، والتجارب التي مرت على لبنان أثبتت أن القوة لا تستطيع أن تتحكم بالبلد إلى ما لا نهاية، لكن يمكن تعطيل المؤسسات وتركها عرضة للفراغ كما حدث بين 2014 و2016 إلى أن تم انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية بتسوية مع المكون السنّي الذي كان الأقوى فيه سعد الحريري.
بعد أسبوعين أو أكثر بقليل، تدخل الحكومة اللبنانية مرحلة تصريف الأعمال، أي بعد إنجاز الانتخابات النيابية. “حزب الله” يتحضر بالتأكيد لمرحلة من الفراغ سيعود خلالها إلى رفع سقف شعاراته المتعلقة بالمنطقة. وإلى أن يتم الاتفاق على اسم لرئاسة الحكومة سيدخل البلد في مخاض عسير حتى انتخابات رئاسة الجمهورية، والمتوقع أن تتكرر مرحلة 2014 عندما بقيت حكومة تمام سلام تصرّف أعمال البلد في غياب رئيس للجمهورية، لكن الخطر أكبر بكثير في ظل الانهيار العام واستمرار رهن لبنان للخارج.