أي قيمة مضافة سيقدمها دخول كتلة تغييرية إلى المجلس الجديد؟

أي قيمة مضافة سيقدمها دخول كتلة تغييرية إلى المجلس الجديد؟

الكاتب: ابراهيم بيرم | المصدر: النهار
18 ايار 2022

ثمة في صف الراصدين لمسار الحدث الديموقراطي ونتائجه ان عنصر المفاجاة الاساسي لم يكن فحسب في التقدم الذي احرزه حزب “القوات اللبنانية” وتمثل بزيادة مقاعده ولا في “الصمود” الذي ابداه التيار الوطني الحر امام عصف ما يعتبره محاولات لتهميشه ،ولافي التبعثر الحاصل في الساحة السنية ولافي “التماسك ” الذي ابدته الساحة الشيعية بقيادة الثنائي المعروف ، بل في تطور اخر فرض نفسه بعناد وتجسد في عملية “الاقتحام ” التي نفذتها قوة لايستهان بها من قوى التغيير الوافدة من مشارب شتى عابرة للمناطق والطوائف الى المجلس النيابي الجديد بكتلة تناهز ال١٣ نائبا يعلنون على الملء انهم لاينتمون لا مباشرة ولابالواسطة الى اي من قوى السلطة.

ولكن هذا الحدث المدوي على بلاغته يفتح الباب امام طرح اسئلة اشكالية قلقة من نوع هل في مقدور هذه المجموعة المقتحمة والممتلئة حماسة وتعبر عن رغبة جامحة للتغيير ان تبدل حرفا فيما هو مكتوب في صفحة الواقع المرير؟ واستطرادا هل في مقدورها تجميع انفسها ولملمة اشتاتها والتحول الى قوة واحدة متجانسة وعلى قدر من الاستقلالية تتقاطع على رؤية واحدة ؟ ام كل فرد منها لن يلبث ان ” يلتحق ” بقطيعه السياسي او الطائفي او المناطقي ويتحول الى قيمة ملحقة لاقيمة مضافة؟

وربما الأهم هو على اي صورة ستتعامل هذه الوجوه التغييرية مع الاحزاب المترسخة والمتاصلة في المسرح السياسي؟

يقر الأستاذ في علم الاجتماع والباحث السياسي الدكتور طلال عتريسي بان دخول هذا العدد من التغييريين الى ساحة البرلمان شكل عنصر مفاجاة وادخل مستجدا على اللعبة السياسية لايمكن نكرانه وتجاهله.

والأهم من ذلك ، يضيف عتريسي ، من حقنا السؤال عن اي نموذج متميز سيقدمه هؤلاء مجتمعين ومنفردين ويكون مغايرا فعلا او محسن لاداء قوة السلطة والحكم ان على مستوى التشريع او الفعل والتاثير السياسي ؟ وهل في مقدورهم استطرادا فعليا المساهمة في ورشة الانقاذ الجارية منذ فترة طويلة ولم تظهر ثمارا يعتد بها لحد الان.

في تجارب سابقة ، يقول عتريسي شهدنا مثل هذه المجموعات تتقدم لتقتحم ميدان السياسة وكانت تسبق ولوجها الميدان برفع شعارات وبرامج عمل تغييري واطلاق فيض من الوعود ، لكنها لن تلبث ان تصطدم بواقع عنيد اسمه تركيبة سياسية بالغة التعقيد والمتانة وعصية على كل محاولات الاصلاح وجهوده.

ويخلص صحيح ان هؤلاء نجحوا في فرض انفسهم قوة حاضرة ولكن لابد لنا لنستشرف مستقبل ما يمكن ان يقدمونه من مساهمات من قرءاة معمقة للمعطيات والوقائع التي سمحت لهم بالنجاح وبلوغ برلمان كان يحتاج الى اجازة مرور من القوى التقليدية لولوجه .لذا نحن نقدر ان فوزهم المفاجىء اتى من خلال المقدمات الاتية:

-الانفلاش السياسي في الساحة السنية التي فتحت صدرها بعد قرار الحريرية السياسية بالانكفاء ما ادى الى سقوط القبضة التي حكمتها طوال اكثر نحو عقدين من الزمن .
-اشتداد الصراع بين مكونات الساحة المسيحية.
-اشتداد الضغوط والاثقال على القوتين الاساسيتين في الساحة الشيعية .
-يضاف الى كل ذلك التحول في امزجة الناس واستيائها من اداء القوى التقليدية .
ويختم ومع كل ذلك فان السؤال يحتاج الى اجابة حاسمة قريبا هو هل ان القوى الراسخة في العمل السياسي و “الاسرة ” تاريخيا لهذه الساحة ستسمح للوافد الجديد بالحراك باريحية وسلاسة وتسمح بظهور من يرغب بمنافستها او مشاركتها؟

أما ان الجديد الى صدام مع القديم او ينجح القديم باستتباع هذا الجديد او عزله وتهميشه .
وفي المقابل يرى القيادي اليساري المخضرم والكاتب السياسي سعدالله مزرعاني ان القوى التغييرية التي حلت للتو في رحاب المجلس الجديد لم تكن تعكس تماما متطلبات المشاركة الشعبية المرجوة بالقدر المنتظر والموعود.

صحيح ، يضيف مزرعاني في اتصال مع “النهار ” ان هذه الرموز وفدت من رحم انتفاضة السابع عشر من تشرين الاول ، وهي عبرت عن تحولات في مزاج الشارع تجاه المنظومة الحاكمة فبدا وكانه يرغب بتاديب هذه المنظومة والثار منها واسقاطها ان استطاع ، ولكن مشكلة هذه القوى انها و منذ انطلاق الحراك الشعبي الذي اتت من رحمه عجزت عن بلورة برنامج تغييري جذاب وقصرت ايضا عن تكوين قيادة موحدة مقنعة.

ونقطة الضعف هذه سمحت ،وفق القيادي الذي امضى في العمل السياسي قرابة الاربعة عقود، لقوى داخلية وخارجية بالتاثير عليها وعلى توجهاتها لاحقا.

ويرى مزرعاني ان القوى التغييرية استفادت من انفجار التناقضات في الساحات الطائفية وخصوصا في الساحة السنية ونجحت ايضا في اقتحام ساحات كانت الى الامس القريب حكرا لجهة مثل الساحتين الشيعية والدرزية وصحيح ايضا ان التغيير امتد من الشمال الى الجنوب مرورا بزغرتا والكورة وعالية والشوف وهو انجازنادر الحصول ولكن السؤال التالي حكما هو ما العمل وكيف يمكن لهذه القوى والرموز ان تؤثر وتفعل وان تغير وتصلح .واعتقد ان الاختبار والمحك هنا لان التحديات المنتظرة كبيرة جدا والازمات التي تعصف بالبلاد واقتصادها ضخمة ومعقدة .

وما مدعاة للاسف وفق مزرعاني ان معظم الذين رصدناهم وهو ينطقون بلسان هذه المجموعة التغييرية لم يقدموا ما يشي بامتلاكهم للوعي السياسي اللازم والعميق وامتلاكهم ايضا لبرامج التغيير اذ بدا كل منهم وكانه يغني على ليلاه .

ولاننسى يستكمل مزرعاني ان قوة التغيير المطلة للتو ستواجه في المجلس الجديد فريقين غير متسامحين وليسا من النوع الذي يتقبل الاخر بسهولة وهما كتلة القوات اللبنانية التي طورت حضورها وكتلة 8 اذار مضافا اليها التيار الوطني الحر .لذا نخشى ان تصبح قوى التغيير مادة تجاذب في صراع هاتين القوتين خصوصا ان كل المؤشرات تشي بانهما ماضيان قدما في النزاعات التي بدآت بينهما عشية الانتخابات .

ويخلص مزرعاني الى الاستنتاج بان الحديث عن انبعاث الروح مجددا في اليسار من خلال فوز نائب نعرف انه ترعرع في المناخ اليساري مثل الكثيرين يبدو في تقديري مبالغا فيه رغم ان الحدث يشفي غليل مناخات اليسار المتعطشة لنصر عز عليها في دورات الانتخاب السابقة .ولكن في الاجمال لايمكن لنا الا ان نسجل تطورا مهما يفرض نفسه على المنظومة التي قبضت بيد من حديد على امور البلاد والعباد بعد اتفاق الطائف رغم انها ما انفكت تبدو في حال انكار وكان شيئا لم يحدث بالنسبة لها .