سيناريوهان قيد التنفيذ: الرئاسة لباسيل وإلّا فعون…باقٍ!

سيناريوهان قيد التنفيذ: الرئاسة لباسيل وإلّا فعون…باقٍ!

الكاتب: فارس خشان | المصدر: النهار العربي
26 ايار 2022

تحمل الأشهر الخمسة التي تفصل قصر بعبدا عن وجوب خروج رئيس الجمهورية ميشال عون منه، وفق المعايير اللبنانية، مفارقة لافتة، فهي إن بدت “داهمة جداً”، من جهة إلّا أنّها يمكن أن تكون “بعيدة للغاية”، من جهة أخرى.

هي “داهمة جدّاً” لأنّ كلّ الإستحقاقات التي دقّت ساعتها، مثل “تكريس” نبيه برّي رئيساً للمجلس النيابي، لولاية سابعة على التوالي، وتشكيل حكومة جديدة بعد اختيار شخصية سياسية تتولّى المهمّة، ستتم “هندستها” على قاعدة خدمة الانتخابات الرئاسية.

وفي المقابل، تبدو هذه الأشهر الخمسة “بعيدة للغاية”، لأنّ الإستحقاق الرئاسي، وفق التجارب اللبنانية الحديثة، يمكن أن يطول كثيراً، بحيث تكون “المهل الزمنية” المنصوص عنها في الدستور، مجرّد “حبر على ورق”.

وإذا كانت أطراف كثيرة في لبنان، تتطلّع إلى أن يتم تمرير هذا الإستحقاق، بصورة سلسلة من شأنها أن تُطلق، بما توفّره من زخم “إيجابي”، مسار الإنقاذ المالي والإقتصادي والإجتماعي، فإنّ “التيّار الوطني الحر” ليس في هذا الوارد، فهو، يعمل على وضع اللبنانيّين أمام خيارين، لا ثالث لهما: إيصال رئيسه جبران باسيل الى القصر الجمهوري، أو إبقاء الرئيس ميشال عون فيه.

وسبق أن وضع عون وحزبه “خريطة الطريق” للوصول الى أحد هذين الهدفين، ويبدو أنّ ساعة التنفيذ قد حانت.

ولقد عزّزت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة هذا التوجّه، حيث نجح “التيّار الوطني الحر” في الحدّ من الخسائر، فهو، وإن كان قد انحسر، شعبياً ونيابياً، إلّا أنّه، وبدعم أساسي من “حزب الله”، لم يُهزم، وتالياً أصبح جزءاً من “الغالبية المطلقة” في مجلس النوّاب.

و”الغالبية المطلقة” هي التي يُنتخب بها رئيس الجمهورية، بدءاً من الجلسة الثانية، إذ إنّ الجلسة الأولى تفترض حصوله على أغلبية الثلثين من أصوات أعضاء المجلس النيابي.

وهذه النتيجة الانتخابية، وإن كانت تسمح لباسيل بتحقيق حلم “خلافة” والد زوجته، إلّا أنّه يمكن استغلالها أيضاً، وبدعم من “حزب الله”، من أجل توفير ما يلزم من عدّة، لإبقاء عون الذي أهداه باسيل “هذا النصر”، في القصر الجمهوري.

وتحقيقاً لهذه الغاية، هناك سيناريوهان، قيد التنفيذ.

السيناريو الأوّل، يهدف الى انتخاب باسيل، أمّا السيناريو الثاني فيهدف إلى إبقاء عون في القصر الجمهوري، بحجّة ” قوّة الإستمرارية” التي توافرت “فتاوى” لمصلحة اعتمادها في “الرئاسة الأولى”.

ويقوم السيناريو الأوّل على الآتي:

يحتاج “تكريس” الرئيس نبيه برّي في “الرئاسة الثانية”، في ضوء رفض شرائح واسعة في المجلس النيابي، إلى قوّة نيابية وازنة، من شأنها أن توفّر لـ” دستورية انتخابه” مشروعية.

وإذ يبدو واضحاً أنّ القوى النيابية المسيحيّة الوازنة الممثّلة ب”القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” وغالبية المستقلّين، سوف تمتنع عن التصويت لبرّي، فإنّ “حزب الله”، كما سبق أن وضع “حركة أمل” و”التيّار الوطني الحر” في لوائح انتخابية مشتركة، سوف يعمل على إيجاد تفاهم بين برّي، من جهة وعون، من جهة أخرى، حتى يخرج الإثنان من استحقاق رئاسة مجلس النوّاب بمكاسب مشتركة، فالخلاف لا يُفسد للمصالح قضية!

وفي حال نجح “حزب الله” في مسعاه هذا، فالطريق يصبح معبّداً أمام إمكان انتخاب باسيل، إذ إنّ برّي، في مقابل، حصوله على أصوات تكتّل “التيّار الوطني الحر” النيابي، ينسّق مع جبران باسيل، بدعم من “حزب الله”، من أجل تشكيل حكومة يملك فيها كلّ من رئيس الجمهورية و”التيّار الوطني الحر” الثلث المعطّل كضمانة، إذ إنّه في حال جرت عرقلة عملية انتخاب باسيل يجري تفعيل السيناريو الثاني.

ويقوم السيناريو الثاني على الآتي: عند ثبوت عدم إمكان وصول باسيل الى رئاسة الجمهورية، تتم إقالة الحكومة واللجوء الى “الفتوى الدستورية” الجاهزة: بقاء عون في منصبه، لأنّه يملك ما يكفي من مشروعية، وذلك عملاً بقوّة الإستمرارية، من جهة و”الميثاقية الوطنية” من جهة أخرى، إذ إنّ “الرئيس القوي” لن يسمح بأن يكون الموقع المسيحي الأوّل في البلاد رهينة الفراغ وبعهدة حكومة تصريف الأعمال.

وإذا لم يرضَ برّي بالسير في هذا “التفاهم”، أو وجد “حزب الله” أنّه من الأجدى له تأخير البت بالإستحقاق الرئاسي، فحينها، تدخل تعديلات على السيناريو الثاني، من خلال عدم التزام “التيّار الوطني الحر” بالتصويت لبرّي، ولجوء رئيس الجمهورية ميشال عون إلى وضع شروط “مستحيلة” تمنع أيّ شخصية سنية من القبول بتشكيل حكومة جديدة، فيحلّ الحادي والثلاثون من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، على إيقاع أزمة سياسية كبرى في البلاد، يستغلّها عون للبقاء، بقوّة الإستمرارية، في القصر الجمهوري، على اعتبار أنّه لن يترك البلاد “التي تمر في خطر وجودي” بعهدة حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي.

ويُفضّل “التيّار الوطني الحر” السيناريو الإنتخابي على سيناريو” التمديد القسري” الذي يُدخل لبنان، منذ هذه اللحظة، في معركة سياسية قد لا يستطيع، بسبب الضغوط المحليّة والإقليمية والدولية، مواصلتها حتى تحقيق هدفها.

ولا يمكن لعون، في ضوء نتائج الانتخابات النيابية، أن يتطلّع الى الحصول على تمديد طبيعي، لأنّ ذلك يستلزم تعديل الدستور الذي يتطلّب أكثرية الثلثين من عدد أعضاء المجلس النيابي، وهي أكثرية حالت الانتخابات النيابية دون حصول الإئتلاف الذي شكّله “حزب الله” عليها.

وتسويقاً لتجنّب الوصول الى “سيناريو حافة الخطر”، أوصل جبران باسيل، في “احتفال النصر” الذي أقامه، قبل ثلاثة أيّام، رسالة تتضمّن إعادة تعويم النيّة “غير السريّة” لفريقه السياسي، عندما قال، بعدما حذّر من عدم تشكيل حكومة “بشروطه”: إنتبهوا، فهذا يُسقط (اتفاق) الطائف ويجعل كلّ موقع ومؤسسة دستورية، من دون حدود زمنيّة”.

و”الحدود الزمنية” التي يستهدفها كلام باسيل هي الأشهر الخمسة الفاصلة عن نهاية ولاية الرئيس عون.

ولا يخرج الكلام الذي أطلقه النائب جميل السيّد “مهندس” تمديد ولاية الرئيس السابق أميل لحود، بعد خروجه من لقاء جمعه، أمس مع الرئيس عون عن السياق نفسه الذي كان قد أثاره باسيل، إذ قال السيّد:” في حال حصلت فعلياً مؤامرة عدم تشكيل الحكومة، فإن فخامة الرئيس لا يجوز ان يسلّم صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف اعمال في نهاية ولايته، لأنّ صلاحيات الرئاسة ليست من المواضيع التي يشملها تصريف الاعمال ولا يمكن، حسب رأيي، لفخامة الرئيس المغادرة وتسليم صلاحياته الى حكومة تصريف اعمال لا تتمتع بصلاحيات دستورية بنفسها ولا يمكن لها بالتالي أن ترث الصلاحيات الدستورية لفخامة الرّئيس.”

وإذا كان القصر الجمهوري الذي لم يكن قد علّق على كلام باسيل قد سارع إلى “التبرؤ” من “اجتهادات السيّد الدستورية”، فهذا لا يعني أنّه يرفض هذا السيناريو، ولكنّه لا يُريد أن يتبنّاه، كما لو كان خطّة يتولّى عون نفسه العمل من أجل تحقيقها، وتالياً يتم تحميله، مسبقاً أمام اللبنانيين وأمام مراكز القرار المهتمّة بلبنان، مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة.

على مدى معركة الانتخابات النيابية غاب الكلام عن الإستحقاق الرئاسي، ولكنّ فريق رئيس الجمهورية، وقبل بدء هذه المعركة، كان قد وضع هذا الإستحقاق على الطاولة، سواء لجهة انتخاب باسيل، أو لجهة تمديد ولاية عون، وفق ما فعله، في بداية العام 2021 النائب في حينه، ماريو عون، إذ قال:” إنّ عدم التمديد لعون يُشكّل ظلماً بحقه وبحق قسم من الشعب اللبناني”.

بطبيعة الحال، سوف يحاول “التيّار الوطني الحر” إضفاء شيء من الغموض على الخطط التي وضعها قيد التنفيذ، ولكن هذا لا يُلغي أنّ المعنيين بهذا الإستحقاق سوف يتعاطون معها بكثير من الجدّية.

في الواقع، يُخطئ من يظن أنّ التكتيكات السياسية وحدها قادرة على إحباط الوصول الى واحد من هذين الهدفين، لأنّ “حزب الله”، بالمحصّلة، هو من يُمسك بهذه الورقة، ولن يقبل بالتخلّي عنها إذا لم يحصل على أثمان قد تكون أكثر كلفة على البلاد، من انتخاب باسيل أو “التمديد القسري” لعون.

قبل العام 2016، كانت فكرة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، بالنسبة لكثيرين، مجرّد “تخريف سياسي”، ولكن “حزب الله” بذل أقصى جهوده المشروعة وغير المشروعة، لتحقيق هذا الهدف، فتهاوت المقاومات، واحدة تلو الأخرى، وصار ما كان يبدو مستحيلاً حقيقة.

وبما أنّ لبنان دولة ينتصر فيها “غير المعقول” على كلّ ما هو “بديهي”، فإنّ جدّية مواجهة هذين السيناريوهين تقتضي استنفاراً شعبياً يُعطي ما يلزم من زخم للإستنفارَيْن السياسي والدبلوماسي الواجبين، خصوصاً وأنّ شعار التخلّص من “كلّن يعني كلّن” قد يصبح عنواناً لمرحلة سوف تشهد عودتهم “كلّن يعني كلّن”، على الرغم من دخول بعض حملة شعار “الترحيل” الى ساحة النجمة!