
بري حدّد جلسة انتخابه «بشروطه»… وباسيل أكثر المُحْرَجين؟
على طريقة «في المكان والزمان المُناسبيْن»، حدّد الرئيس نبيه بري الثلاثاء المقبل، موعداً لجلسة انتخاب رئيس برلمان 2022 ونائب الرئيس وأمينيْ السرّ والمفوّضين الثلاثة الذين يؤلفون هيئة مكتب مجلس النواب، في محطةٍ ستشكّل الأيام الأربعة الفاصلة عنها فسحة لـ «آخِر الكلام» قبل كشْف مختلف القوى السياسية «أوراقها» حيال هذا الاستحقاق الذي يكتمل معه «الهندام» الدستوري للمؤسسة التشريعية، ويُنتظر أن يتحوّل اختباراً لغالبيةٍ «وليدة» تتلمّس طريقها لإعلان «نحن هنا» من فوق «تَشَتُّتها»، و«بقايا أكثرية» تُعانِدُ من خلف تشقّقاتها التسليمَ بتغييرٍ بدأ في صناديق الاقتراع وإن بـ «جرعة» غير كاملة.
وقالت أوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي» إن دعوة بري (بصفته رئيس السنّ في البرلمان الجديد) إلى جلسة الثلاثاء المقبل في مقر مجلس النواب في «ساحة النجمة» بعدما خَلَع عنه «المتاريس» والتحصينات وما وُصف بـ«جدار العار»، لا تعكس إطلاقاً أن تفاهماً حصل برعاية «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» على توفير نصاب، سياسي وميثاقي، لمعاودة انتخاب زعيم حركة «أمل» (للمرة السابعة على التوالي) بأصواتٍ مريحةٍ (كان يُراد أن تناهز 80)، وهو ما تحوّل محور «مقايضة» سرعان ما شابتْها «حمولة زائدة» من شروط وضعها «التيار»، تشمل نيابة رئاسة البرلمان، والحكومة رئيساً وشكلاً، وتعيينات (مثل حاكمية مصرف لبنان)، وصولاً لاستحقاق رئاسة الجمهورية (موعده بين 31 أغسطس و 31 أكتوبر).
وفي رأي هذه الأوساط أن بري، المرشّح الوحيد لموقع رئاسة البرلمان بقوة فوز الثنائي الشيعي بالمقاعد الـ 27 في البرلمان المخصصة لهذا المكوّن، يتعاطى مع معاودة انتخابه وفق منطق «طالع طالع» أياً كان الرقم الذي سيناله ولو جاء الأدنى منذ 1992، وتالياً هو ليس في وارد مقايضاتٍ سواء لا «يمون» على تأمين الغالبية لها (مثل نيابة الرئاسة لمرشح التيار الحر أياً كان أي جورج عطا الله أو إلياس بوصعب)، أو يعتبر أنها أشبه بـ «مطالب منفوخة».
وبحسب الأوساط فإن بري ليس «مستقتلاً» لخوض مساومات على أصوات، «بالطالع أو النازل»، ستصبّ في «جيْب» العهد الذي خاصمه منذ انطلاقته في 2016 ويقترب من أسابيعه الأخيرة، وأنه استطراداً لن يكون في وارد تعويم «وريثه» المفترض (أي رئيس التيار جبران باسيل) الذي لزعيم «أمل» موقف لا يقل تَصَلُّباُ حيال إمكان دخوله قصر بعبدا.
وفي ظل معلومات عن أن «حزب الله» أيضاً يرى أن باسيل، الذي «أَفْلتَ» من امتحان الانتخابات بقوة إسنادٍ منه، ليس في موقع فرْض شروط و«تكبير الحجَر» في التعاطي مع بري، اعتبرت الأوساط أن رئيس البرلمان تَعَمَّد حشْر رئيس «التيار الحر»، محدداً مكان «المعركة» وزمانها وساعياً لفرض قواعدها وفق منطق «رابح رابح» وبما يقطع الطريق على أي ابتزازٍ له بما لا يريده، وهو ما سيضع باسيل أمام «قياس» تبعاتِ عدم تأمين الغطاء السياسي والميثاقي لبري بحال لم يترك الحرية لنوابه، الأمر الذي يُنتظر أن يترك ارتداداتٍ على حضور «التيار الحر» حتى في اللجان النيابية ورئاستها في ظلّ فقدانه «الرافعة» التي كان يشكّلها ائتلاف 8 مارس وما سيعنيه «قطع شعرة معاوية» مع زعيم «أمل» من جعْل الأخير في حلّ من أي مراعاة لباسيل في أي استحقاق.
وفي السياق نفسه، رأت الأوساط المطلعة أن بري بحرصه على التزام مهلة الـ 15 يوماً (بعد بدء ولاية المجلس المنتخب) المنصوص عنها في الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب للدعوة لجلسة انتخاب رئيس البرلمان الجديد وهيئة المكتب (رغم أنها مهلة حث وليس إسقاط)، إنما كرّس ما سبق أن أبلغته مصادر عليمة لــ«الراي» من أن مجلس النواب يشكّل بالنسبة إلى بري و«حزب الله» معاً «الشرعية الشيعية» في النظام، وتالياً هما لن ينخرطا في تعطيل انطلاقتها نظير لعبة أرقام «لا تقدّم ولا تؤخّر»، وإن كانت ستتحوّل محط قراءات عن «الخسارة المعنوية» وتراجُع الحزب سياسياً ولا سيما بحال لم تنجح اتصالات الويك اند في ضمان حصول بري أقله على أصوات النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان الـ 128.
واعتبرت الأوساط المطلعة عيْنها، أنه على مقلب منصب نائب رئيس البرلمان (يعود للطائفة الأرثوذكسية)، فإن تحديد الثلاثاء موعداً لجلسة الانتخاب سيكون كفيلاً بتسريع المشاورات بين تكتلات الغالبية «المركَّبة»، أي القوى السيادية والتغييرية والمستقلين، التي ستصوّت بالأوراق البيض ضد بري (ما خلا نواب كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي وقدامى «المستقبل») ولن تلعب بالتأكيد ورقة المقاطعة والتعطيل، وذلك للتوافق على شخصية لترشيحها لنيابية الرئاسة بما يكفل فوزها وتالياً «تدشين» ولادة أكثرية جديدة، ولو ظرفياً.
وفي اعتقاد الأوساط أن معركة نيابة الرئاسة ونجاح المعارضة والتغييريين فيها سينعكس أيضاً على كيفية إدارة هذه القوى وعلى «منسوب تأثيرها» خصوصاً في استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة الذي كان محور الإعلان الذي تبنّاه بالإجماع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر (أول من أمس) ودعا «إلى الإسراع في تشكيل حكومة شاملة جديدة في لبنان بعد الانتخابات التشريعية، وتطبيق إصلاحات بينها إقرار موازنة 2022، حكومة تسمح بالتوصّل السريع لاتفاق مع صندوق النقد الدولي».
وإذ تشير معلومات إلى أن حزب «القوات اللبنانية» لن يخوض معركة ترشيح النائب غسان حاصباني لنيابة رئاسة البرلمان، فإن الأنظار تشخص على المساعي المستمرة بين التكتلات الثلاث للتوصل لتوافق سيكون في الوقت نفسه بمثابة أول «جسور الثقة» واختبار إمكانات التعايش تحت سقوف مشتركة.
ومعلوم أن النظام الداخلي لمجلس النواب ينص على أن «المجلس يجتمع بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً وبرئاسته لانتخاب هيئة مكتب المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تجديد انتخابه، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته.
ويقوم بأمانة السر أصغر عضوين سناً من الحاضرين.
وإذا تعذر حضور أكبر الأعضاء سناً يرأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً من الحاضرين».
كما ينص على أنه «عملاً بالمادة 44 من الدستور المعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/ 9/ 1990 والنافذ منذ تاريخ نشره، ينتخب المجلس أولاً، ولمدة ولايته، الرئيس ونائب الرئيس، كلاً منهما على حدة، بالاقتراع السرّي، وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين، وإذا لم تتوافر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي دورة ثانية تعقبها، تجري دورة اقتراع ثالثة يكتفي بنتيجتها بالغالبية النسبية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يعتبر منتخباً».
وهذا يعني أن نصاب التئام جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب وهيئة المكتب هو 65.
على أن هذه الجلسة غالباً ما تكون مكتملة الحضور، أي من 128 نائباً، وهو ما يجعل بري يحتاج في الدورة الأولى إلى الأكثرية المطلقة وفق هذا الحضور ولكن مع عدم احتساب الأوراق البيض والملغاة.
وفيما كانت الانطباعات بأن جلسة الثلاثاء لن تحمل معها إلا تكريس «الفوضى» النيابية والسياسية التي دخلت البلاد دوّامتها، فإن الدولار مضى في مساره الصاروخي الذي دفع الليرة أمس إلى هبوط تاريخي جديد بعدما تجاوزت العملة الخضراء عتبة 36 ألفاً، فيما كانت مناطق عدة تشهد تَجَدُّد الاحتجاجات الشعبية على ارتفاع الأسعار الحارق وتسونامي التضخم الجارف، وسط تحذيرات من انقطاع للمياه عن المنازل بفعل شح المازوت والتقنين الكهربائي الأقسى، وتلويح محطات البنزين بالتوقف عن العمل مع بلوغ سعر الصفيحة 600 ألف ليرة والتحرك التحذيري للأفران.
ولم تكن عابرة مشهدية «الجيش الأبيض» أي الأطباء ينفّذون أمس، اعتصاماً أمام مصرف لبنان بدعوة من نقابتي أطباء لبنان في بيروت والشمال ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة (بدأوا إضراباً أمس ويستمر اليوم باستثناء الحالات الطارئة) مُطْلِقين «لا للسياسة النقدية المتوحّشة التي تمارسها الدولة تحت عنوان الحفاظ على سعر صرف الليرة»، ومعلنين أن «المستشفيات عاجزة عن تأمين السيولة اللازمة لمتابعة عملها، وحقوق العاملين في القطاع الصحي أصبحت غير كافية لتأمين معيشتهم».
وشدد نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون على أنه «بئس الدولة التي ينزل فيها الأطباء إلى الشارع ليطالبوا بحقوقهم، بدل أن يكونوا في مستشفياتهم للاهتمام بالمرضى».