
أين ربح جبران باسيل وأين خسر؟
مما لا شك فيه أن كل معارضة متى بلغت الحكم تخسر أكثر من نصف رصيدها، فكيف إذا كان قائد تلك المعارضة الرئيس ميشال عون الشخصية الإشكالية أصلاً، ومعه ظلّه النائب جبران باسيل، الذي جهد لتلبّس دور عمه في السياسة، فنجح تارة وفشل طوراً، لأسباب عدة منها التركيبة اللبنانية، ومنها أيضاً الديموقراطية التوافقية، وأيضاً الظروف المحيطة بالبلد، وأخيراً وليس آخراً، عدم إدراكه أنه الصهر وليس الأصل، وأن ما هو مسموح لميشال عون، لا يمكن أن يكون مقبولاً من باسيل.
في كل حال، ليس المجال واسعاً هنا للتعمّق في قراءة تلك الحالة، لكن الأكيد أن من الضروري القراءة في نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وتحديد مكامن الربح والخسارة لدى باسيل.
لم يعد “#التيار الوطني الحر” يشكل حالة “تسونامي” في المناطق ذات الثقل المسيحي، وتحديداً في كسروان والمتن الشمالي، وزحلة، وجزين، ولا في البترون. الحالة الشعبية التي أحاطت بالعماد ميشال عون تراجعت الى حد بعيد، وبات “التيار” في حاجة متزايدة، وملحّة، الى رافعة “#حزب الله”، والى التحالف، بعد تجاوز الحملات الانتخابية، مع الرئيس نبيه بري لتجاوز المرحلة الأقلوية، وبات الحلم الرئاسي لباسيل أبعد من أي وقت مضى، الا اذا كانت المنطقة ذاهبة الى مرحلة تفجير وكان ساعياً الى التحول رئيس مواجهة، أي القبول برئاسة مكلفة وبأي ثمن.
لكن في المقابل، وبمقياس الربح والخسارة، فإن باسيل حقّق ما يمكن اعتباره “انتصارات” أو “ضربات”. منها أن كتلته النيابية لم تضعف الى الحد الذي كان مرجحاً، علماً أن نواب “التيار” لم يكونوا أكثر عدداً في الانتخابات السابقة، بل كان الحلفاء، المدفوعون أو بإرادة منهم، يشكلون عديد التكتل، وقد انسحب هؤلاء منه قبل الانتخابات.
وفي هذا المجال يمكن اعتبار أن النواب الفائزين هم من الأقرب الى باسيل شخصياً، أو أنهم أصبحوا كذلك، وأدركوا أن “البُعد” عنه انما يحرق حظوظهم النيابية قبل الوزارية أو الرئاسية. وبسقوط كل معارضيه الذين ترشحوا، سواء الأقربين أو الأبعدين، تمكن باسيل من إثبات وراثته السياسية الكاملة، وأيضاً إمساكه بـ”التيار الوطني الحر” بلا منازع، وأقفل الحظوظ الرئاسية على خصومه، ليثبت نفسه ناخباً رئاسياً فاعلاً على الأقل.
وباسيل الذي عاد الى توثيق تحالفه مع “حزب الله”، واعاد وصل الجسور مع حركة “أمل”، ورئيسها نبيه بري، سيحد من اندفاعة خصومه ومنتقديه الذين أفادوا من هامش التباعد بينه وبين “الثنائي الشيعي” في مرحلة سابقة فأطلقوا العنان لانتقاده وصولاً الى شتمه.
ويسجَّل لباسيل تصديه لآلتين انتخابيتين، واحدة مالية، وأخرى إعلامية ترتبط بالأولى. فالمال السياسي الذي أُنفِق في مواجهته كان كفيلاً وحده بمضاعفة خسائره، إذ لم ينفق التيار مالاً سياسياً بشكل فعلي، وهذا الأمر أنهكه إعلامياً، لأن الدعاية مرتبطة بالمال، ولأن إعلام “التيار” فاشل على كل المستويات، إلا في الرد الإنفعالي غير الذكي وغير المؤثّر.
أمام كل هذه الوقائع، يمكن اعتبار “الخسائر” التي مُني بها باسيل نسبية، إضافة الى أن قرب نهاية العهد، وتحوّله مع حلفائه الى “أقلية” نيابية، يسمحان له بالتوجه الى سياسة معارضة والى التشدد في المواقف، والى التشبث بالمواقع وتعيين الحزبيين “الصقور” بعيداً من “التكنوقراط” كما أعلن أخيراً.
هذا التحالف الأقلوي، حيال أكثرية غير متجانسة، أو غير منضبطة، أو غير منسقة، أقله حتى اليوم، سيراكم مكاسب باسيل ويزيد من فرص الانقضاض على محاولات التغيير… والاصلاح.