
أيّ بروفيل لرئيس الجمهورية المقبل؟
ثمة اقتناع سياسي وديبلوماسي بان هناك مرحلة تضييع وقت صعبة جدا على لبنان نتيجة الانشغال بتأليف حكومة جديدة لا يجب من حيث المبدأ ان تعيش سوى بضعة اشهر تستمر في افضل السيناريوهات حتى اخر السنة مع تأليف حكومة اخرى بعد الانتخابات الرئاسية . الكلام عن تضييع الوقت يعكس الثقة بان هذه الحكومة لن تولد في ضوء صعوبة ستكون اكبر نتيجة ما افرزته الانتخابات النيابية ولانه يجب الانتقال ، لو ان الدستور اللبناني يسمح لذلك ولا يحتاج الى تعديل، الى الذهاب فورا الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية من اجل الذهاب الى اعادة تشكيل السلطة انطلاقا من الرئاسة الاولى وفق ما يتطلع الداخل والخارج على حد سواء. فلبنان في الظروف التي يعيشها لا يحتمل ترف المزيد من الاشهر الضائعة ولكن مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا تبدأ الا قبل شهرين من نهاية ولاية الرئيس الحالي في ٣١ تشرين الاول المقبل . اذ قبل موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس (المادة 73).
ويعتبر مجلس النواب الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر(المادة 75). رغم ذلك تتم مقاربة الاستحقاقات اللبنانية من باب اولوية الذهاب الى تأليف حكومة جديدة في ظل اقتناع بان لا بديل محتملا عن الرئيس نجيب ميقاتي لرئاستها لاسباب موضوعية تتصل باستكمال ما بدأته حكومته على صعيد انجاز بعض مطالب صندوق النقد الدولي بعد توقيع الحكومة اتفاقا مبدئيا مع الصندوق . فاي رئيس محتمل للحكومة يحتاج الى وقت للتكيف مع مقتضيات السلطة وما يحتاج اليه لبنان فيما البلد لا يحتمل ذلك وهو امر قد يكون متاحا في مرحلة لاحقة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية . لا مقاربة علنية على اي مستوى لموضوع الرئاسة الاولى ، ولكن ثمة استخلاصا مبدئيا من نتائج الانتخابات يقود الى صعوبة كبيرة على الاقل من وجهة نظر ديبلوماسية بان الشخصيات الاكثر ترجيحا للموقع الرئاسي الاول تقليديا تواجه صعوبات وتعقيدات جمة . وبناء عليه يتم الاستيضاح باهتمام عن الترجيحات المحتملة في المقابل . هذا لا ينفي الاقرار بان الفراغ الرئاسي هو الاحتمال الاكثر ترجيحا حتى الان لا سيما اذا تكرر سيناريو 2016 في ظل صعوبة كبرى اقله وفق المعطيات الراهنة لاعادة استنساخ خيار مشابه لصعوبة الخضوع لتسويات مماثلة او حتى استحالتها.
ثمة اقتناع يترسخ اكثر في ظل المعطيات عن صعوبة حظوظ وحتى استحالة وصول اي من المرشحين السياسيين التقليديين من الاحزاب او التيارات المعروفة نتيجة الانقسامات السياسية الحادة فيما البلد في حاجة الى هدنة سياسية اذا صح التعبير في مقابل الحاجة الماسة الى نهوض اقتصادي . هذا النهوض اضطلع به في شكل خاص منذ ما بعد اتفاق الطائف رؤساء الحكومات من اصحاب العلاقات الاقليمية والدولية الواسعة والرصيد القوي في ادارة الوضع الاقتصادي. فيما ان لبنان يحتاج الى بروفيل اخر غير البروفيل المعهود ولو ان اسم قائد الجيش جوزف عون لا يسقط مع استبعاد المرشحين السياسيين المحتملين، بل يبقى احتمالا قائما تفرضه اعتبارات كثيرة في ظروف معينة، لكنه سيكرر عندئذ ظروف انتخاب الرئيس ميشال سليمان من حيث امكان خرق قاعدة الاستقالة من موقعه قبل سنتين من موعد الانتخاب فيما ان جوزف عون لم يفعل وسبق ان نفى رغبته في السعي الى تبوء موقع الرئاسة الاولى امام ديبلوماسيين لعواصم مؤثرة . وغني عن القول ان اي سيناريو لبقاء الرئيس ميشال عون هو اقرب الى الوهم من الواقع لان الدستور ينص على ولاية من ست سنوات ولا يجوز انتخابه الا بعد مرور ست سنوات على انتهاء ولايته ( المادة ٤٩ من الدستور) . وليس في وارد احد الطلب من الرئيس الحالي التمديد له أي مدة في تكرار لتمديدين فرضهما النظام السوري لالياس الهراوي واميل لحود . وليس في وارد الاحتمالات ان عون يمكن ان يبقى في بعبدا بعد ٣١ تشرين الاول .
البروفيل الرئاسي الاقرب الى الاذهان راهنا هو بروفيل اقتصادي وليس سياسيا على خلفية ان المرحلة المقبلة تشكل تحديا اوليا للبنان على هذا الصعيد في الدرجة الاولى. فيستعيد كثر تجربة الرئيس الياس سركيس مثلا او نموذجه من دون ان يؤدي ذلك الى تذكية حاكم المصرف المركزي رياض سلامه الذي ساهمت القوى السياسية جنبا الى جنب مع الانتفاضة والانهيار المالي الكبير في حرق فرصه . يحتاج لبنان الى ثنائي في رئاسة الدولة وفي رئاسة الحكومة اقتصادي في الدرجة الاولى باعتبار ان التوافق بينهما ومعرفة كيفية وسبل الانقاذ مهم لنهوض لبنان بدلا من جيوش من الاستشاريين المتناقضين . وعلى رغم تحسس القوى السياسية من استبعاد فرصهم ، فان ثمة من يرى ايجابيات على وقع تنافس حاد قد يؤدي الى استبعادهم قسرا وليس طوعا وذلك من خلال امكان مواصلة اعادة الثقة بهم سياسيا وشعبيا والمحافظة على قواهم وترك الامور الرئاسية مرحليا لادارة اقتصادية سياسية للوضع اللبناني وليس سياسية اقتصادية للبنان .
ويقر مراقبون ان هذا البروفيل قد لا يجد صدى ايجابيا فيما ان التوقعات كبيرة بفراغ رئاسي قد يذهب باكثر من نصف ولاية المجلس الحالي. ولكن العائق الوحيد امام السيناريو المتشائم في رأي هؤلاء يبقى المزيد من الانهيار الاقتصادي الذي يتجه اليه لبنان في هذه الحال مع انفجار اجتماعي يهدد الامن الاجتماعي مع تداعيات اكبر على صعد متعددة .