
عودة السباق المحموم بين الاستحقاقات والانهيار
لم تصمد المعالجات الاحتوائية الظرفية والموقتة لحمى ارتفاعات أسعار الدولار والمحروقات التي خرقت الأسبوع الماضي الخطوط الحمراء سوى أيام، عادت بعدها الدوامة العبثية إياها الى اثارة حالة من الفزع حيال تخطي الأسعار كل ما تبقى من قدرات المواطنين على الاحتمال. فان يتجاوز سعر صفيحة البنزين امس الـ 635 الف ليرة وسط معطيات تؤكد ان الأسعار الى سقوف مرتفعة جديدة في قابل الأيام، فهذا يثير تساؤلا كبيراً عما سيكون عليه جدول الأولويات الذي سيرسم للاستحقاق الحكومي تكليفا وتاليفا. وبمعنى أوضح فإن مجمل ما يسمعه اللبنانيون منذ انتهاء انتخابات رئاسة مجلس النواب وهيئة مكتبه، هو أي اسم سترسو عليه الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديد او الحالي او القديم من نادي الأسماء التي تطرح في التداول لتأليف الحكومة. لكن تغيب تماماً عن المشهد الطالع النقطة الجوهرية في سلسلة الاستحقاقات الدستورية المتعاقبة والان تحديدا في مقاربة الاستحقاق الحكومي وهي المتصلة باولويات المرحلة الخانقة الحالية وطبيعة الحكومة التي يحتاج اليها لبنان قبل تفصيل ماذا تريد الكتل والقوى وبمن تقبل ومن ترفض. تبعا لعودة الحمى المقلقة في سعر الدولار وأسعار المحروقات وكل معالم الاضطرابات المعيشية والاجتماعية التي تعتمل بها البلاد، يتردد في الكواليس السياسية والنيابية ان الأيام الفاصلة عن منتصف الأسبوع المقبل، بدأت تشهد وستشهد تباعاً حركة اتصالات ومشاورات متعددة القنوات في كل الاتجاهات للتعجيل في اجراء استشارات التكليف وتسمية رئيس الحكومة المكلف، وكذلك لبذل محاولة متقدمة لبلورة حد ادنى من قواسم مشتركة حول طبيعة التركيبة الحكومية العتيدة، لئلا تتفاقم المواقف المتصادمة من هذه التركيبة بما يشل تماماً مهمة أي رئيس مكلف تأليف الحكومة. وإذ تبدو كفة إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي راجحة على الخيارات الأخرى لتسمية شخصية من النواب المنتخبين الجدد او من خارج المجلس النيابي، تقول أوساط مواكبة للاتصالات التي ارتفعت حرارتها بشكل ملحوظ في الساعات الأخيرة ان صعوبات كبيرة تبدو في افق انجاز استحقاق التكليف، لان جس النبض الاولي لمختلف الكتل النيابية وللنواب المستقلين ونواب “ثورة ١٧ تشرين” اظهر عمق التباين والانقسام بين الجميع حيال اسم الرئيس المكلف كما حيال طبيعة الحكومة التي يفترض تأليفها. وهذا الواقع ينذر برمي أي رئيس مكلف في حال تمت تسميته بسلاسة في وسط حقل الغام يصعب معه استعجاله تأليف الحكومة التي لن يكون امامها الا اشهر ثلاثة على الأكثر لانجاز بعض الاولويات الأشد الحاحاً قبل ان تصبح بحكم المستقيلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في نهاية تشرين الأول المقبل. ولذا تضيف الأوساط نفسها فان ما توافر من معطيات عن حركة المشاورات التي بدأت امس، يعكس وجود تعقيدات كبيرة تعترض إمكانات التوصل بسرعة لتسويات حول الحكومة الامر الذي قد يشجع العهد على مزيد من المماطلة في تحديد موعد الاستشارات والتريث فيها الى ان تتضح معالم الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
ورئيس الجمهوية الذي تسلم اول من امس اللائحة الاولية للكتل النيابية من البرلمان، يتريث في توجيه الدعوة الى الاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة، والتي لن تحصل قبل موعد جلسة انتخاب اللجان النيابية الثلثاء المقبل، لمزيد من المشاورات والاتصالات السياسية، وهو استقبل بعد الظهر الرئيس نجيب ميقاتي وتناول اللقاء ملف الاستحقاق الحكومي، كما تطرق الى التطورات في البلاد كما الى الواقع الأمني اذ قفز الهمّ الامني الى الصدارة امس بعد الاشتباكات العنيفة في بعلبك بين الجيش وعصابات المخدرات.