هل تحل زراعة القمح مكان الحشيش في لبنان؟

هل تحل زراعة القمح مكان الحشيش في لبنان؟

المصدر: الحرة
8 حزيران 2022

بدأت الأزمة الاقتصادية في لبنان تتسلل إلى “ذهبه الأخضر”، فبعد تاريخه الطويل مع زراعة نبتة الحشيش فرضت الظروف الاقتصادية على بعض المزارعين اللبنانيين استبدالها بزراعات أخرى لاسيما القمح.

يملك ممثل التعاونيات الزراعية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي جورج فخري وأشقاؤه ونجله حوالي 700 دونماً في بلدة دير الأحمر في محافظة بعلبك – الهرمل، تم تخصيصها هذه السنة لزارعة القمح والبطاطا والشعير والبصل والحبوب بعدما كانوا يزرعون معظمهما في السابق بنبتة الحشيش، والأمر ينسحب كما يقول فخري على عدد كبير من المزارعين كون “لم تعد هذه النبتة مربحة، في حين أن هدف المزارع تأمين مدخول يكفي عائلته”.

تتركز زراعة الحشيش في لبنان في سهل البقاع، وبالتحديد يقول فخري لموقع “الحرة” في “شعث، الحدث، إيعات، دير الأحمر، الكنيسة، كفردان وطاريا”، حيث يعد لبنان ثالث أكبر مصدر للحشيش في العالم بعد المغرب وأفغانستان وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، على الرغم من أن زراعته محظورة ويعاقب عليها القانون اللبناني بالسجن والتغريم المالي.

خلال الحرب الأهلية (1975 – 1990) كان لبنان المصدّر الرئيسي للمخدرات في الشرق الأوسط بحسب مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة إذ كان ينتج ألف طن من الحشيش سنوياً، ومنذ نهاية الحرب، أطلقت الحكومات اللبنانية المتعاقبة عمليات عدة تهدف إلى القضاء على هذه الزراعة، من دون أن تنجح، لعدم ضمانها زراعات أو مصادر بديلة لدخل المزارعين، إلى أن تم تشريع زراعة القنب الهندي في أبريل 2020 للاستخدام الطبي والصناعي ليصبح لبنان أول دولة عربية تشرّع “الحشيش”.

بين التأكيد والتشكيك

ارتفاع سعر القمح عالمياً رغم تكلفة إنتاجه المنخفضة يعتبر السبب الرئيسي الذي يدفع المزارعين للاهتمام بزراعته، وإذا بقي سعره جيداً لن يترك المزارعون كما يؤكد فخري “دونماً واحداً في أرضهم من دون زراعته” ويشرح “ينتج الدونم 500 كيلو قمح في حال تم ريه ثلاث مرات و300 كيلو إذا تم ريه مرتين، ويباع الطن منه بـ 400 دولار، كما بالإمكان زراعة الشعير الذي يباع الطن منه بنحو خمس ملايين ليرة أي ما يعادل 180 دولار”.

أما دونم الحشيش الأخضر المروي فينتج بحسب فخري “بين 3 إلى 4 كيلوغرامات من الحشيش، يضمّن بين 300 إلى 400 دولار، وفي ظل مضايقات القوى الأمنية براً وبحراً، يجد التاجر صعوبة كبيرة لتصريفه، إضافة إلى تضييق الدول على عملية الاستيراد من لبنان بعد ضبط عدد من عمليات التهريب، الأمر الذي رفع منسوب الخشية لدى المزارعين من كساد محصولهم”.

في ظل أزمة الخبز التي يمر بها لبنان، أصبحت زراعة القمح الطري حاجة ضرورية للحفاظ على الأمن الغذائي، فأطلق وزير الزراعة عباس الحاج حسن خطته الزراعية للنهوض بهذا القطاع والتي وافق عليها مجلس الوزراء.

وسبق أن قال الحاج حسن: “نحتاج إلى إرسال رسالة للفلاحين أن الحكومة تتعهد بأن تستلم كل أنواع القمح والشعير، وسنقف إلى جانب المزارع اللبناني”، مؤكداً على أن “الحكومة تلتزم بهذا الأمر حتى نبعث رسالة للخارج وللهيئات التي تحاول أن تساعدنا، مفادها أنه يمكننا أن نؤمن العام المقبل، أكثر من 30 بالمئة من القمح الطري محليا”.

ويخشى عدد من مزارعي الحشيش الحديث خوفاً من الملاحقة القانونية، أحد الذين استبدلوا هذه النبتة بزراعة القمح بحسب ما أكد فخري، أنكر ذلك، لكن في ذات الوقت قال لموقع “الحرة” “المستفيد الأكبر من زراعة الحشيش هم التجار، لذلك إذا زرع المزارع القمح والشعير واهتم بأرضه فإن مردوده سيكون أكبر”.

زراعة القمح تحل مكان الحشيش في لبنان

ويشدد “أكثرية المزارعين تحولوا إلى زراعة القمح، الأزمة الاقتصادية أصابتنا في الصميم، وضعنا سيء وهدفنا في النهاية المردود الجيّد، ففي هذا الأيام إذا زرع المزارع ذهباً لن يتمكن من تأمين مصروف أسرته”.

ولعب الموقع الجغرافي لمنطقة بعلبك – الهرمل في أقصى الشمال اللبناني وتهميشهما من قبل الدولة دوراً في توجّه معظم أبنائها نحو زراعة نبتة الحشيش، كما أن وقوع تلك المنطقة على الحدود مع سوريا جعلها منطلقاً لعمليات التهريب.

عضو مجلس بلدية مدينة الهرمل، مفلح علّوه يستبعد أن يتخلى مزارعو نبتة الحشيش عنها من دون سياسة بديلة تضعها الدولة وتحفزهم على ذلك، “وإن أقدموا على زراعة القمح فسيخصصوا مساحة صغيرة للإنتاج الخاص خوفاً من انقطاع الطحين”.

في الماضي توجه مزارعو بعلبك الهرمل كما يقول علّوه لموقع “الحرة” “إلى زراعات بديلة كدوار الشمس والبطاطا المؤصلة، بالاتفاق مع وزير الزراعة، الانتاج كان أفضل من المستورد، لكن التجار ضغطوا على الوزير حينها لإيقاف الخطة، ما دفع المزارعين للعودة إلى زراعة الحشيش”.

ويؤكد أنه إلى حد الآن “مردود الحشيش أفضل من باقي المزروعات، وإن كان لا يكفي لسد احتياجات المزارعين وعائلاتهم، إلا أن زراعته لا تحتاج إلى رأسمال وكلفته منخفضة ومخاطر تعرضه للآفات الزراعية أقل”.

ويشدد علّوه على أن مزارعي الحشيش في المنطقة “لا يدخنونه، فهدفهم مادي لا أكثر، وفي حال وضعت الحكومة خطة بديلة للزراعة سيتجاوبون معها حتى ولو خسروا قليلاً من مدخولهم، لكن الدولة غائبة ولا حياة لمن تنادي”.

قانون “معلّق”

أقر مجلس النواب في العام 2020 ترخيص زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي لكن إلى الآن لم تصدر المراسيم التطبيقية له، وفي الأمس أعلنت المديرية العامة في قوى الأمن الداخلي- شعبة العلاقات العامة عن توقيف شخصين أحدهما من الجنسية اللبنانية والآخر من الجنسية السورية في محلّة طريق المطار بتاريخ 23 مايو الماضي، وقد ضُبِط بحوزتهما خزانة خشبية عثر في داخلها على 13,25 كلغ من حشيشة الكيف مخبأة بحرفية عالية، حيث كان سيتم إرسالها عبر إحدى شركات الشحن إلى إحدى الدول الأوروبية.

نبتة الحشيش من فصيلة القنب الهندي، ومع ذلك يقول فخري “يصنفه البعض من ضمن المخدرات، أما نحن فنعتبره نوعاً ممتازاً من أنواع الدخان، والدليل أن المتعاطي لا يلجأ إليه، بل إلى الكبتاغون والهيرويين وغيرها من المواد المخدرة المصنعة كيمائيا، مع العلم أن سعر كيلو الكبتاغون يعادل سعر 2 الى 3 طن حشيشة بودرة”.

وعن الفرق بين الاثنين شرح “من حيث الشكل شتلة القنب أكبر من نبتة الحشيش وهي تحتاج إلى عناية أكثر وتربة نظيفة لزراعتها، كما أنه يستخرج من أوراقها مستخلصات طبية عدة وأليفاً وخيوط للصناعة، وتحتوي على نسبة مخدر أقل مما هي عليه في الحشيش”، وشدد على أن من يريد زراعة القنب سيحتاج إلى الحصول على نحو 5 تراخيص، فقد لحظ القانون اجراءات معقدة جداً لزراعته.

وتأسف فخري كونه إلى اليوم لم تصدر المراسيم التطبيقية للقانون، ما يعرقل البدء في منح التراخيص اللازمة لهذا النوع من المزروعات التي اعتبرها “طوق نجاة لاقتصاد البلد لاسيما في ظل الأزمات التي يمر بها، إذ أن مردودها السنوي لا يقل عن المليار دولار بحسب دراسة شركة ماكنزي الدولية للاستشارات الإدارية والمالية التي عرضتها على المجلس الاقتصادي الاجتماعي”.

ينص قانون ترخيص زراعة القنب على انشاء هيئة ناظمة تتألف من رئيس وستة أعضاء يعينون من وزارات مختلفة، لكن إلى اليوم لم يتم البت بأسماء أعضائها والسبب بحسب فخري “خلافات سياسية على الرغم من مراجعتنا المتكررة للأمر”.

ذرّ للرماد في العيون

الشهر الماضي رأس رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي اجتماعا خصص للبحث في موضوع الأمن الغذائي والخطة التي تعمل عليها وزارتا الزراعة والاقتصاد من أجل مستقبل القمح في لبنان، حيث أكد وزير الاقتصاد أمين سلام أن للبنان إمكانات والنية زيادة الإنتاج المحلي من القمح الطري الذي يستعمل لصناعة الخبز.

وبحسب سلام سيتم تخفيف استيراد القمح بنسب معينة وعلى فترات زمنية مع رفع الإنتاج المحلي، و”إذا اتبعت هذه الخطة بشكل جدي ودعمت من الدولة ومن الحكومات المتعاقبة فسنتمكن من تخفيف الاستيراد بنسبة 15 في المئة”.

أما وزير الزراعة فقال: “لا يمكننا زراعة القمح بمردود إنتاجي حقيقي، إذا لم تتوافر بذور مؤصلة وتسميد وتتبع، وإرشاد زراعي حقيقي وجدوى اقتصادية لهذه الزراعات، ولطالما تغنينا بأن سهولنا من سهل عكار ومرجعيون والبقاع الشمالي والأوسط والغربي كانت سهول روما”، وأضاف “نحن نتحدث عن إنتاج 15 و20 بالمئة من الحاجات، وربما لن نصل الى اكتفاء ذاتي في المدى المنظور، ولكن نخفف أقله على الدولة اللبنانية شراء القمح”.

منذ سنوات ونقيب مزارعي القمح والحبوب في البقاع نجيب فارس يدعو إلى اعطاء السلطة الحاكمة أهمية للأمن الغذائي، من دون أن يلقى آذاناً صاغية، لا بل كما يقول “هناك من استهزأ بالأمر، إلى أن أصبح الأمن الغذائي للعالم وليس فقط لبنان مهدداً”.

أسباب عدة تقف خلف أزمة الرغيف في لبنان على رأسها تأخر المصرف المركزي عن فتح الاعتمادات لبواخر القمح في ظل عدم وجود أي مخزون استراتيجي لهذه المادة، ما يؤدي إلى شح في انتاج الخبز بين الحين والآخر وظهور طوابير أمام الأفران، فاقم تضرر الإهراءات التي تتسع لـ120 ألف طن من القمح نتيجة انفجار مرفأ بيروت من الأزمة، وزاد الطين بلّة الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث كان لبنان يستورد 85 بالمئة من كمية القمح التي يحتاجها من أوكرانيا والبقية من روسيا.

زراعة القمح غير مكلفة مقارنة بباقي المزروعات كالبطاطا وغيرها وهو ما يشجع المزارع عليها في هذا الوضع، إذ لم يعد باستطاعته تحمل أعباء الزراعات الأخرى، ويقول فارس “يشتري المزارع ما تحتاجه المزروعات بالدولار ويبيع انتاجه بالليرة اللبنانية حيث يخسر كلما ارتفع سعر صرف العملة الخضراء، وبينما كان في الماضي يقترض كي تسهل الشركات له دفع المتوجب عليه لحين حصده الموسم الزراعي، لم يعد بالإمكان ذلك في ظل الوضع الاقتصادي”.

مردود القمح ليس كبيراً ومع ذلك يشدد فارس “كنا نزرعه من أجل الدورة الزراعية للأرض والأمن الغذائي للبلد، هذه السنة اختلف الوضع كون الأسعار العالمية ارتفعت، من هنا هناك توجه كبير لزراعته، فقبل الحرب الروسية كان سعر الطن بين 210 و250 دولار، اليوم وصل سعره إلى 500 دولار، لكن في ذات الوقت ازدادت الاعباء على المزارع، فصفيحة البنزين ارتفعت من 4 دولارات إلى 23 دولار، وطن السماد ارتفع من 200 دولار إلى 1000 دولار”.

قبل عشر سنوات كان مزارعو لبنان يزرعون القمح الطري لكن كما يقول فارس “السياسيون الفاسدون دفعوا المزارعين للتوجه إلى زراعة القمح الصلب، كي يستفيدوا هم من استيراد الطري منه، حيث مغارة علي بابا والسمسرات”.

ويشرح “يستورد لبنان حوالي 550 ألف طناً من القمح الطري، يستهلك منه اللبنانيون بين 250 إلى 300 ألف طن، أما النازحون السوريون فيستهلكون نحو 20 بالمئة من الكمية المستوردة، فيما يتم تهريب 30 بالمئة، فالمطاحن تشتريه على السعر المدعوم أي 1500 ليرة وتبيعه إلى سوريا بالدولار (الفريش)، من خلال منظومة تهريب من خلال معابر غير شرعية، لا بل حتى الأفران تشتري الطحين المدعوم المخصص لصناعة الخبز وتستخدمه في إعداد الحلويات المسعّرة على سعر صرف دولار السوق السوداء”.

خلال حديث تلفزيوني أكد الحاج حسن أن “وزارة الزراعة تعمل بكل إمكاناتها من أجل تحقيق الهدف وهو تحويل الزراعة إلى أساس بناء الاقتصاد المنتج بعدما كان ريعيا”، كاشفاً ان “كادرات الوزارة في كل لبنان أكملت احصاءً بعدد مزارعي القمح وهو 5500 مزارع لبناني يزرعون القمح في هذا الوقت”.

وعن خطة الوزارة يصفها فارس بـ”ذرّ للرماد في العيون” مشدداً على أن “المعني بهذه الخطة هي النقابة وإلى الآن لم يتم التواصل معنا”، ويشدد على أن “لبنان لا يستطيع تأمين اكتفاء ذاتي من القمح بسبب غياب السياسة الواضحة وعدم توفر المساحات الكافية”.

ويقول: “يمكن رفع الانتاج من 20 بالمئة إلى 50 بالمئة إذا وضعت الوزارة خطة دعمت من خلالها المزارع وحفزته بتأمين البذور له وشراء وزارة الاقتصاد لمنتوجه بسعر توجيهي حقيقي يتناسب مع السوق العالمية، فكما يعلم الجميع الأسمدة والأدوية والمحروقات ارتفع سعرها بشكل كبير نتيجة الحرب الروسية، وإلا فإن أمننا الغذائي سيكون مهدداً بالخطر أكثر فأكثر”.