إقرار تعديل السرية المصرفية “بين الواقع والمُرتجى”

إقرار تعديل السرية المصرفية “بين الواقع والمُرتجى”

المصدر: المركزية
18 تموز 2022

إثر اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية، أعلن رئيسها النائب ابراهيم كنعان إقرار قانون تعديل السرية المصرفية “بما يخدم منع التهرّب الضريبي ومكافحة الفساد وتمويل الإرهاب والإثراء غير المشروع”…

هذه الخطوة أحدثت شرخاً في المواقف والآراء، إذ اعتبرها البعض انتقاصاً من موقع لبنان التاريخي على الخريطة العالمية للاقتصاد الحرّ، والبعض الآخر رأى فيها فقداناً للثقة بلبنان وبقطاعه المصرفي المفقودة أصلاً منذ العام 2019… وبعضهم مَن اعتبر أن السرية المصرفية لم تعد موجودة أصلاً في ظل ما وصل إليه القطاع المصرفي والمالي من أزمات وتطورات سلبية لا يُحمَد عقباها.

في حين تساءل مصدر مالي عبر “المركزية”، مشككاً “كيف يمكن أن يرفع السياسيون السرية المصرفية عن بعضهم البعض؟! نسمعهم يتحدثون عن استرجاع أموال المودِعين وهم يصرفون منها يومياً لتأمين القمح والفيول …إلخ، فكيف سيرفعون السرية المصرفية عنهم؟!”.

غبريل: لا تأثير…

رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل يعتبر في حديث لـ”المركزية” أن تعديل قانون السرية المصرفية هو من ضمن سلة الشروط التي طالب بها صندوق النقد الدولي في بيانه الصادر بتاريخ 7 نيسان 2022 بعد توقيع الاتفاق الأوّلي مع الدولة اللبنانية، وأعلن حينها أن الهدف من هذا الطلب أن يتماشى القانون المذكور مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد والتهرّب الضريبي”، ويرى أن “تعديل السرية المصرفية لا يُفترض أن يُقلق مَن ليس لديه سرّ يريد إخفاءه أو معلومات لا يريد فضحها…”.

لكن غبريل يُبدي تخوّفه من نقطة أساسية في هذا التعديل، وهي “التدخلات السياسية”، ويقول: قد تفتح هذه التعديلات الباب أمام التدخلات السياسية، أو قد يكون استخدامها لأغراض سياسية لا تصبّ في هدف تعديل السرية المصرفية.

ويرى أنه “قد يكون الأفضل لو يتم التصويت على قانون “استقلالية القضاء” علماً أن الأخيرة لا تحتاج إلى قانون لأن ذلك يأتي في الممارسة كما في عدد كبير من البلدان مثل بريطانيا”.

ويُلفت في السياق، إلى آليات عدة لرفع السرية المصرفية:

“هيئة التفتيش المستقلة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب” لديها صلاحية طلب رفع السرية المصرفية عن الحسابات المشبوهة.

توسّع مفهوم “قانون مكافحة تبييض الأموال” ليشمل أغراضاً أخرى كالفساد والتهريب…إلخ، عندما تم تعديله عام 2015 ليُصبح القانون الرقم 44.

كل المؤسسات المالية اللبنانية وقّعت قانون “فاتكا” مع السلطات الأميركية.

السلطات اللبنانية وقّعت “اتفاقية التبادل الضريبي” مع مجموعة البلدان الصناعية، ما يتطلب توقيع اتفاقات ثنائية.

ويخلص إلى القول: ليس لدينا أصلاً سرية مصرفية مطلقة، ولا أعتقد أن أحداً سيعارض تعديل القانون إنما ما يثير القلق هو سوء استخدام التعديلات، لأن ذلك يتأتى من عدم الثقة بالطبقة السياسية من قِبَل المواطن.

ولم يوافق غبريل الرأي أن رفع السرية سيُفقد الثقة بلبنان، ويقول: الثقة أصلاً مفقودة… كما أن القطاع المصرفي قبل الأزمة، لم يكن يستقطب الودائع ويموّل الاقتصاد بشقَيه “القطاع العام والقطاع الخاص” لأن هناك سرية مصرفية، بل كان يلتزم بمعايير الامتثال الدولية.

ويحدّد أن “ما يُعيد الثقة هي العوامل الآتية: الشفافية، الحوكمة والإدارة الرشيدة في القطاع العام، مكافحة التهرّب الضريبي والتهريب عبر الحدود، تفعيل الجباية، إقرار برنامج إصلاحي عنوانه استعادة الثقة من خلال توسيع حجم الاقتصاد ودعم النمو وتحسين المناخ الاستثماري وتطوير بيئة الأعمال وإعادة تأهيل البنى التحتية، والتأكيد على أن القطاع الخاص والمبادرة الفردية هما العمود الفقري للاقتصاد، فيما القطاع العام هو المكمِّل للقطاع الخاص وليس عبئاً على الاقتصاد كما هو اليوم”.

ويشير إلى أن “هناك قوانين جيّدة في لبنان لكنها تُطبَّق جزئياً أو لا تُطبّق نهائياً، فيما العِبرة في التطبيق السليم لتعديلات قانون السرية المصرفية وليس فقط في إقرارها…”.