
تخبّط فاضح في ملف اللاجئين: العطل لبناني أم سوري أم غربي؟
اكثر ما يثير العجب في تصريح شرف الدين
هو ان عودة هؤلاء يجب ان تتناسب مع القدرة الاستيعابية للدولة السورية
لم يعد خافياً التخبط الذي تغرق في رماله السلطات اللبنانية في مقاربتها لمسألة عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم، في انعكاس واضح للعجز عن إدارة هذا الملف بمعزل عن الحسابات السياسية التي تتحكم بغالبية قوى السلطة، وسط حملة فاضحة من المزايدات تتكشف يومياً من خلال مواقف شعبوية لا ترجمة عملية لها على أرض الواقع.
آخر هذه المواقف ما ادلى به وزير الدولة لشؤون المهجرين عصام شرف الدين من قصر بعبدا بعد لقائه اول من أمس رئيس الجمهورية بهدف استئذانه والحصول على بركته وتشجيعه في مهمته الانسانية ووجهتها سوريا يومي السبت والأحد، علّه يحمل يومي الاثنين والثلثاء النتائج الإيجابية، على حد تعبيره، معرباً عن تفاؤله في هذا الشأن، انطلاقاً من خطة وزارته القاضية بإعادة 15 ألف نازح شهرياً، في مقابل تعهّد الدولة السورية بإنشاء مراكز إيواء بكل مستلزماتها لاستقبال هؤلاء، وفق مبدأ العودة إلى القرى والبيئة نفسها الّتي نزح اللاجئون منها.
لكن اكثر ما يثير العجب في تصريح شرف الدين هو ان عودة هؤلاء يجب ان تتناسب مع القدرة الاستيعابية للدولة السورية، وكأن لبنان يمتلك قدرة استيعابية تفتقدها سوريا التي يفوق حجمها ومساحتها وعدد سكانها حجم لبنان ومساحته وعدد سكانه أضعاف الأضعاف! أو كأن لبنان مجهز بالبنى التحتية الكفيلة بتأمين العيش الرغيد ليس للسوريين فحسب وإنما حتى للبنانيين!
تأتي مواقف شرف الدين من بعبدا وإعلانه عن زيارته المرتقبة الى سوريا اليوم وغداً غداة موجة من المواقف وردود الفعل التي اثارها كلام وزير الخارجية عبد الله بو حبيب قبل ايام وفيه قوله ان النظام السوري لا يريد اعادة اللاجئين وان بلادهم لم تطلبهم، طارحاً تساؤلاً أثار موجة من الاستنكارات من القوى التي تدور في الفلك السوري، ومفاده هل ان الدول تطلب من مواطنيها العودة اليها حين يريدون؟ هذا الكلام استدعى رداً من النائب السابق طلال إرسلان استنكر فيه موقف بو حبيب، كاشفاً ان وزراءه الذين تعاقبوا على تولّي وزارة المهجرين في ثلاث حكومات هم الذين نسّقوا وأعدّوا خطة العودة، مشيراً الى ان العرقلة الاولى هي من الداخل يليها رفض المجتمع الدولي والدول المانحة.
والواقع ان بو حبيب كما إرسلان، وكما قبلهما المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، وضعوا، كلّ وفق قراءته وحيثيته، الاصبع على الجرح النازف في قضية اللاجئين. وقد بات معلوماً ان عرقلة العودة لا تأتي من جهة واحدة بل هي موضع اجماع لبناني وسوري من حلفاء دمشق، وغربي أوروبي تحديداً كما أعلن ابرهيم سابقاً بفعل المخاوف القائمة في الغرب من هجرة هؤلاء في اتجاه الحدود الأوروبية. في المقابل، يُسجل ما يشبه “الاستلحاق” من العهد وفريقه في رفض بقاء اللاجئين والدعوة الى عودتهم، بعدما استمع هذا الفريق الى موقف رئيس الحكومة المكلف قبل استقالة حكومته وتكليفه مجدداً تشكيل حكومة جديدة، وفيه قرار بإخضاع السوريين للقوانين اللبنانية.
والسؤال المبرر اليوم: ماذا يجري على مستوى السلطة السياسية في شأن هذا الملف، والى اي حد يمكن الركون الى المواقف الرسمية المعلنة، لجهة البدء بتطبيق خطة العودة الشهرية، كما أعلن وزيرا الشؤون الاجتماعية هكتور حجار والمهجرين عصام شرف الدين، أو لجهة بدء تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين الموجودين على الاراضي اللبنانية، كما سبق وأعلن ميقاتي، أو ان كل هذا الكلام وهذه المواقف لا تعدو كونها ذَراً للرماد في العيون، طالما لم يصدر اعلان رسمي وواضح على مستوى البلدين تلتزم فيه سوريا فعلاً استقبال ابنائها، علماً ان هذا لن يتم مادامت المنظمات الدولية تستمر بدفع مساعدات نقدية شهرية لهؤلاء، ستتوقف فور عودتهم الى بلادهم.
الثابت ان التخبط حيال هذا الملف لا يزال سيد الموقف، وليس في الأفق ما يشي بحلحلة قريبة، رغم الحركة الكثيفة التي يشهدها، وكان آخرها زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي للخارجية ولقاؤه الوزير بو حبيب، مستوضحاً مواقفه ومعلناً تفهّمه لها، قبل ان ينتقل اليوم شرف الدين الى دمشق، مستطلعاً مدى الإيجابية السورية في هذا الشأن.