ودائع الاسياد والعبيد

ودائع الاسياد والعبيد

الكاتب: جورج س. غانم | المصدر: موقع القوات اللبنانية
15 آب 2022

تتكاثر وتتناسل الاشكالات المصرفية نتيجة التعسف الذي يتعرض له صغار المودعين الذين صرفوا العمر في جمع فتات تعويض لا يُسمِن ولا يُغني عن جوع، خاصةً أن هذه الودائع صغيرة واردة من تعب نهايات خدمة في الوظيفة العامة، أو نتيجة جهد وكدّ سنوات في بلاد الغربة سواء في صقيع المهَاجِر أو لهيب الصحارى الرملية.

إن سوء الادارة، وتوافق المصالح بين وزارة المال، ومصرف لبنان والمصارف المستفيدة وتهريب الرساميل الضخمة العائدة للسياسيين والمتنفذين من رجال الاعمال واصحاب المصالح الى مصارف خارجية أدّت الى ما أدّت أليه من إختفاء للاموال من أيدي الناس.

أصحاب المصارف ومدراؤها يلقون اللوم على الدولة المستدينة لكل هذه الاموال حيث صرفتها على تمويل مشاريع غير منتجة أو غير مربحة للاقتصاد بشكل عام بل صرفتها لتمويل عجز المالية العامة نتيجة الهدر الذي كانت تمارسه الحكومات المتعاقبة من دون الدخول بأنواعها واشكالها التي لا تعدّ ولا تحصى.

من الضروري عدم إعفاء المسؤولين ولا الوزراء من المسؤولية وعليهم المثول أمام القضاء لمحاسبتهم أو تبرير صرفهم لهذه الاموال عن حق، وليس من خلال إصدار قرارات أو مراسيم تغطية لهذا الهدر غير المقبول أو مبرر.

لكن يجب الاشارة هنا الى الطريقة المتبعة من قبل المصارف مع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذين كانوا يتقدمون بملفات ومستندات تثبت قدرتهم على إيفاء ديونهم نتيجةً لحسن سير ادارة هذه المشاريع، إضافة الى المراجعات المتواصلة لطالب الاعتماد الذي عليه ان يبرر اي مصروف إضافي وبالاكثر تقديم ضمانات إضافية تتجاوز قيمتها أضعاف المشروع الذي يعمل عليه. والمحاسبة تأتي على الصعيدين القانوني والمالي للذين يتعثرون ولا يتمكنون من سداد الدين، حيث أن الكثيرين خسروا مصانعهم وفي بعض الاحيان منازلهم وكل ما حصّلوه طوال سني جهادهم، يُضاف إليه في بعض الاحيان أراضٍ قد ورثوها من آبائهم على أمل أن تنتقل يومًا الى أولادهم؛ وذلك كلّه من دون أن يرف أي جفن لأصحاب المصارف والمديرين التنفيذين في تلك المصارف، وذلك بغية المحافظة على حقوق المودعين لديهم وعلى الفوائد الواجب تسديدها في حينها.

وفي محصلة ما سبق، لزامًا يجب أن يتم تطبيق هذه القواعد على الدائنين كافّة، سواء أكانوا من صغار المقترضين أو من كبارهم.

فلماذا إذًا أصحاب المصارف لم يطبقوا هذه السياسة على الحكومات المتعاقبة والتي كانت تستدين منهم من دون ضمانات ولا تقديم ملفات تحفظ حقوق المودعين لديهم كما كانوا يدّعون؟

الجواب الحقيقي وغير المعلن، أنّه يجب غضّ الطرف عن تكليف الدولة تقديم المستندات الضرورية لضمان عملية إسترداد الاموال، نظرًا إلى الأرباح الهائلة التي تستوفونها من فوائد الدين التي يمكن القول أنها قد تشبه “الربى”، إضافة الى إن السياسات المالية منتصف تسعينيات القرن الماضي إستندت في تعاملها مع المصارف إلى مقولة: “طعمي التم بتستحي العين” التي كانت سبب الخراب الكبير فجاءت “القحلة” في ايامنا نتيجةً لتلك “الوحلة” في تلك الايام.

وبما أن الاتفاق والوئام بين المسؤولين أستمر سائدًا للحظة اندلاع ثورة ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، حيث جرى الاعتقاد بين الناس بأنّ دفّ الاصحاب قد انفختت وستفترق رفقة الامس والأُنس، الذين إجتمعوا تحت مظلة المصالح وأقفلوا البلد ومصارفه لعدة أيّام متواصلة أعدوا فيها خطة تهريب الاموال ونفذوها، وأستقال من استقال ممن أرادوا أن يصبحوا “ابطال” على حساب أرزاق الناس في بيروت وعلى حساب المؤمنين بلبنان وطنًا ومستقرًا لهم ولأبنائهم، فنام مستورو الحال على حال واستيقظوا على الارض.

وتتمةً لما سبق، وحتى لا يتحول المودعين الى مجرمين ومنتهكي للقانون، أعطوهم حقوقهم أو بعض منها، كونكم تتحملون المسؤولية بالكامل ولايحق لكم رميها على الآخرين، لأنّ الآخرين أنفسهم هم شركائكم. فهل أصبح تحصيل الحقوق عن طريق القوة هو الحل في لبنان؟ أم أنه مثال للسياسة اللبنانية التي تعتمد على مقولة: “إن الاقوى دائمًا على حق”؟​