خاص- انهيار اهراءات الذاكرة

خاص- انهيار اهراءات الذاكرة

الكاتب: نور الحاج | المصدر: Beirut24 | التاريخ: أغسطس 23, 2022
23 آب 2022

عامان مرا على انفجار مرفأ بيروت أو إذا صح الكلام على انفجار القلوب في بيروت والضمير في بيروت. عامان كفيلان بالنسيان لبعضهم وباشتداد الغضب عند البعض الآخر.  أما الشعب فأصبح يستذكر هذه الحادثة الأليمة في الرابع من آب من كل سنة، هو يستذكرها بشعارات “دولتي فعلت هذا” و”لن ننسى”.

وهل ننسى ؟ وهل نسينا؟

البعض نسي أو تناسى والبعض الآخر يعيش للذكرى وفي الذكرى … يعيش للصور وفيها… يعيش لرؤية العدالة- إن تحققت.

أما اليوم، ما تشهده إهراءات مرفأ بيروت يولد الذعر والتنبه. فالحريق الذي شب داخل الصوامع ودفعها للتهاوي تدريجًا، يبدو وكأن هدفه التدمير أكثر من أي شيء آخر: تدمير الذاكرة الجماعية وإلغاء الشاهد على الجريمة.

فكما يذكر تمثال “المغترب” الموضوع في وسط بيروت هجرة الأدمغة وكل المآسي التي ترافق موجة الهجرة الكثيفة التي يشهدها لبنان في السنوات الأخيرة إذ يخسر شبابه ومثقفيه، كذلك فإن الاهراءات تذكر بجريمة أودت بحياة الكثيرين: قاطنون، مارون، موظفون…

غير أن طمس المعالم المنتمية الى الذاكرة الجماعية اللبنانية  ليس بجديدٍ لا بل هو متوقع من طبقة سياسية تتراشق الاتهامات وتزرع الاحقاد في الاوساط الشعبية. فالمرحلة التي تلت الحرب الاهلية اللبنانية التي دامت 15 عامًا تؤكد على السعي الدائم لمحو الشواهد وآثار الجرائم.

فلننظر الى بيروت قبل الـ 1975 وبيروت بعد 1990 التي فقدت هويتها الاساسية وكيانها بعد إعادة إعمارها. فثمة فرقٍ كبير بين هم الاعمار وإعادة الرونق الى مكان طبع بالمجازر والمعارك الدموية وهم تعديل الهوية الثقافية الاصلية بغية تمييع الذاكرة.

وبعد، لا بد من التساؤل إذا كانت هذه العملية السياسية الممنهجة تشكل محاولة جديدة لتطويع الاذهان بهدف تصوير الجريمة على أنها “قضاء وقدر” كما أن انهيار الاهراءات يبدو وكأنه “حادث عابر” يتم تناقل فيديوهات حوله تستثير الاسف والحزن لكنها في الوقت نفسه تقضي على القضية.

الاهراءات لم تعد تشكل بعد ذلك التاريخ حاجة اقتصادية بحت ألا وهي تخزين الحبوب وخصوصًا القمح إنما أصبحت حاجة اجتماعية انسانية لا يريد سياسيو لبنان الاعتراف بها لا بل يعقدون حول موضوعها “اجتماعاتٍ طارئة” ليتقرر فيما بعد هدمها أو ل”يرجح” تدعيمها.

فذاكرة الملايين عالقة في ذلك المكان الذي يشتعل وربما كلما سقط جزء من الصوامع نجح المسؤولون بإسقاط جزء من الذاكرة… ذاكرة من؟ بالطبع ليست ذاكرة الاجيال الحالية بل الاجيال الصاعدة – إن صعدت في بلدٍ ينحدر على الدوام.