
أيّ مصير قاتم ينتظر حملة اليوروبوندز؟
في خضم النقاشات الجارية حول مشروع قانون الموازنة العامة من باب البحث عن إيرادات لتغطية الإنفاق المستجد بفعل تدنّي قيمة أجور القطاع العام نتيجة انهيار العملة اللبنانية، والنقاشات المعطوفة حيال خطة التعافي الاقتصادي المقدمة من حكومة نجيب ميقاتي، تقدمت أزمة الودائع بعدما فرضت الاقتحامات التي تعرضت لها بعض الفروع المصرفية ونتج عنها إقفال قسري للمصارف، بنداً أول في سلم الأولويات والاهتمامات، ولكن، من دون أي نتائج عملية على مستوى كل النقاشات الجارية.
فلا مشروع الموازنة سلك طريقه بعد في انتظار جلسة السادس والعشرين من الشهر الجاري. ولا خطة التعافي سلكت طريقها نحو التنفيذ، ولا سيما على مستوى مشاريع القوانين المطلوب إقرارها في البرلمان من قبل صندوق النقد الدولي، فيما أزمة المصارف لا تزال أسيرة مخاوف أصحاب المصارف ومطالبتهم بضمانات أمنية قبل العودة الى العمل الطبيعي. وسط هذه المناخات المتشنجة على وقع المشاكل المتعددة المترتبة عن الانهيار المالي والنقدي وتعثر المصارف، غاب الاهتمام كلياً عن أزمة الدين العام بما أن إعلان لبنان التخلف عن سداد ديونه السيادية، فضلاً عن تدهور سعر صرف عملته الوطنية أدّيا الى إطفاء الجزء الأكبر من هذا الدين ولا سيما الداخلي منه، فيما بقيت أزمة الدين الخارجي المحمول من صناديق استثمارية ودائنين خارجيين تلقي بثقلها وسط انعدام أي كلام عن حلول أو مخارج في الأفق.
واللافت أن هذه الأزمة التي بدأت في العاشر من آذار ٢٠٢٠ غداة إعلان حكومة حسان دياب قبل هذا التاريخ بيومين امتناعها عن سداد الديون السيادية بما فيها القسط المستحق في التاسع من ذلك الشهر، لم تقترن بإطلاق التفاوض مع حملة السندات كما كان مقرراً بحيث جاء التخلف في شكل غير منظم خلافاً لرغبة وزير المال آنذاك غازي وزني.
جل ما حصل حينها كان التعاقد مع بنك الاستثمار “لازارد” ومكتب المحاماة “كليري غوتليب” لتقديم الاستشارات المالية والقانونية للحكومة من أجل إعادة هيكلة الدين والتفاوض مع الدائنين.
في المقابل، تعاقدت جمعية مصارف لبنان مع مكتب “هوليهان لوكي” التي طالبت، قبل مطالبة حاملي السندات بتحمّل المسؤولية عن أي جانب من المشكلة، لإجراء تدقيق كامل ومستقل للنفقات والاوضاع المالية الحكومية ووضعه في تصرف الرأي العام.
وفيما كانت المصارف اللبنانية حاملة الجزء الأكبر من سندات اليوروبوندز، فإن الكلام الذي تسرب عن إمكانية إعادة هيكلة الدين الخارجي دفع المصارف الى التخلص من سنداتها عبر بيعها، ما أدى الى تحوّل السندات الى أيدي صناديق وشركات استثمارية دولية أبرزها ثلاثة: “أشمور” و”بلاك روك” و”فيديليتي”، بما يقرب من ٦٠ في المئة من مجمل السندات البالغة قيمتها ٣١ مليار دولار، وكانت تتوزع بقيمة ٩ مليارات للمصارف و٥،٥ مليارات في محفظة المصرف المركزي والباقي أي نحو ١٧،٥ مليار دولار لدى الدائنين الخارجيين.
منذ تاريخ إعلان التخلف، لم يتحرك ملف التفاوض مع الدائنين رغم إعلان هؤلاء أنهم في صدد تشكيل مجموعة تمثلهم للتحرك قضائياً. ولكن الامر لم يحصل، كما استمر الجمود على مستوى التفاوض، وعزت شركة “لازارد” الامر إلى أنه رهن إعلان الحكومة اللبنانية خطتها لإعادة هيكلة الدين العام، الامر الذي لم يحصل أيضاً رغم وجود خطتين حتى الآن، الاولى لحكومة دياب والثانية لحكومة نجيب ميقاتي.
والمفارقة أن حكومة ميقاتي أوردت في خطة التعافي التي وضعتها أن الحكومة أجرت اتصالات بالدائنين الاجانب لتدخل رسمياً في مفاوضات جدية لإعادة هيكلة دينها مع اقتراب لبنان من إبرام اتفاقه مع صندوق النقد الدولي، آخذة في الاعتبار أنها “تعتزم خفض نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي الى ما دون ١٠٠ في المئة بحلول سنة ٢٠٢٦، والى حوالي ٧٥ في المئة سنة ٢٠٣٢”. ورأت الخطة أن هذا الامر “ليس بالمستحيل في ظل انخفاض قيمة الدين المقوّم بالعملة المحلية نتيجة الانخفاض الحاد في سعر الصرف إضافة الى المفاوضات المقبلة مع الدائنين حول إعادة هيكلة سندات اليوروبوندز”.
هذا الكلام يؤكد أن المفاوضات لم تنطلق بعد. وبحسب المعلومات التي توافرت لـ”النهار”، فإن حملة السندات ينتظرون صندوق النقد لتبيّن مصير الاتفاق بينه وبين الحكومة اللبنانية، وما سيلحظ في شأن إعادة هيكلة الدين العام، وقد اتخذوا قراراً بعدم تقديم أي دعاوى قضائية في انتظار الضمانات التي سيقدمها الصندوق في شأن السداد.
قبل أيام، خرق الوزير السابق كميل بو سليمان الجمود على هذا المحور عندما دعا، ولم تكن في الواقع المرة الاولى، الدولة الى شراء السندات بالأسعار المطروحة اليوم، وهي أسعار بخسة جداً لا تتجاوز ٧ سنتات للسهم الواحد. وهو اعتبر أن هذا الطرح من شأنه أن يحسّن القدرة التفاوضية للبنان لأنه يخفف نسبة السندات المملوكة من الخارج، كما أن من مصلحة المودعين إعادة شراء السندات لأنها خاضعة للقوانين الأميركية وهناك صلاحيات لتلك المحاكم.
لكن الطرح لم يلق أي آذان صاغية، فيما رفضه بعض الخبراء باعتبار أنه سيؤدي الى ارتفاع السعر مباشرة عند تسجيل حركة طلب كبيرة عليها.
في الخلاصة، لا تقدّم على هذا المسار الذي من شأنه أن يسهم في تعبيد الطريق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة الانتظام والثقة.