أيّ نوع من التفاهمات لانتخاب رئيس؟

أيّ نوع من التفاهمات لانتخاب رئيس؟

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
1 تشرين الأول 2022

في التفاهم الذي حصل عبر “اتفاق الدوحة” على اثر اجتياح “حزب الله” العاصمة بيروت، سمح الخلل في التوازن السياسي بارساء صيغة ترجمت بانتخاب العماد ميشال سليمان للرئاسة والاتفاق على حكومة تكرس فيها الثلث المعطل ولكن من دون ان يمنع ذلك دون اطاحة الحكومة الاولى التي تألفت بموجب هذا التفاهم باستخدام الحزب وحلفائه تطيير الحكومة من منزل العماد ميشال عون في الرابية ، فيما كان يزور الرئيس سعد الحريري البيت الابيض. عاش هذا التفاهم من 2009 الى 2010 فقط . في التفاهمات التي اجراها عون في 2015 مع كل من الرئيس الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ما ادى الى انتخابه رئيسا ، نسفت هذه التفاهمات من فريقه تباعا وتكرس نسفها في انتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين الاول 2019 حيث رفض الحريري الاستمرار في الحكومة في ظل انتفاضة اللبنانيين فيما انقلب عون بسرعة على تفاهمه مع جعجع. تفاوت عمر هذه التفاهمات الاخيرة بين سنة وثلاث سنوات .

يقول البعض حتى قبل الجلسة الاولى لانتخاب رئيس للجمهورية ان الحاجة ستكون الى تفاهمات جديدة لكي يتمكن الرئيس من ان يقوم بدوره بادارة البلد. ففي ظل البروباغندا الناجحة الى حد لا بأس به لعون وفريقه من ان لا صلاحيات متبقية لدى رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف ، ثمة امور لن يستطيع الرئيس العتيد القيام بها وحده اذا كان عليه ان يمسك بالنظام ويؤمن تماسكه بحيث ينبغي ان يكون قادرا ان يقيم بالحد الادنى تقاطعات مع القوى السياسية كما ان يدعم نفسه بحكومة منسجمة معه تستطيع تنفيذ ما يفترض ان يكون انقاذ البلد ومساعدته على النهوض. وهذا ما يؤدي عمليا الى ضرورة انتخاب رئيس يستطيع الانفتاح والتفاهم مع الجميع ولا يسعى الى الالتفاف على الدستور او الاجتهاد فيه .

وبغض النظر عن الاتهامات بتدخل المملكة السعودية في الاستحقاق الانتخابي وعبر رسم خريطة الطريق، فان الاصرار من السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على التذكير باتفاق الطائف من دون ملل ، فيما هو وحده استذكر على سبيل المثال التوقيع عليه قبل 33 سنة في مدينة الطائف في يوم 30 ايلول فيما لم يفعل احد من السياسيين اللبنانيين ، ما يسلط الضوء اولا على السقف المبدئي المطلوب لاي تفاهم حول المرحلة المقبلة فضلا عن لا شيء مجانيا بعد اليوم للبنان ليس من باب اجراء الاصلاحات فحسب ، بل من باب الحاجة الغربية الماسة للمملكة السعودية مع الدول الخليجية لان تساهم في انهاض لبنان .

وهذا له ثمنه السياسي على الاقل عبر دعم وصول رئيس يلتزم الدستور ويحترمه ويحترم علاقات لبنان مع محيطه . فالدول الغربية باتت متعبة من لبنان ويائسة وهي في وضع اقتصادي صعب جدا بما يقيد قدراتها على المساعدة حتى لو شاءت. يضاف الى ذلك ان تنفيذ لبنان الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي يفترض مواكبته من السلطة المقبلة رئاسة وحكومة بصدقية وجدية كافيتين من اجل حض الدول والمنظمات الاستثمارية على المساعدة . وهذا غير ممكن من دون السقف الادنى المطلوب لذلك في المرحلة المقبلة تحت طائل بقاء لبنان في الحفرة العميقة التي بات فيها من دون قدرة على الخروج منها وباكلاف باهظة جدا . وذلك علما ان تكرار تجربة الرئيس الحالي في الرئاسة الاولى غير مقبولة لا لبنانيا ولا خارجيا باي شكل من الاشكال . ولا يستطيع اي رئيس جديد للجمهورية ان يعادي “حزب الله” ولكن على الا يواليه كذلك ويترك له ادارة الدولة من خلف .

تلفت مصادر مراقبة ان المساعي تبدو جارية راهنا وراء الكواليس فيما ان الاستطلاع الذي جرى في اول جلسة لا يتعدى المناورات وتوجيه الرسائل ولا تحركات علنية على الاطلاق للمرشحين التقليديين او غير التقليديين كذلك . فثمة اتفاق مسبق مع ميشال معوض مثلا وكانت واضحة الاتجاهات منذ البداية وليس من مفاجآت على هذا الصعيد . فيما يلح اكثر من سؤال بدءا من الجهة القادرة على ادارة تفاهمات المرحلة المقبلة التي لا يمكن الاقلاع من دونها بغض النظر عن مواقف سياسية معلنة ترفض ذلك او لا تراه ممكنا . ولكن يخشى ان هذا سقف مرتفع جدا ولا يمكن ان يوصل الى نتيجة وثمة سذاجة في الاعتقاد بان الحزب سيسلم اوراقه كلها بمجرد مغادرة ميشال عون السلطة . والانظار توجهت وتتوجه الى فرنسا في الدرجة الاولى كونها على تواصل اقليمي متعدد الطرف على طريق اقامة الحد الادنى من التلاقي على عدم سقوط لبنان اكثر والتوافق على الحد الادنى الذي يتيح انطلاق مرحلة انقاذية . وهل ستكون هذه التفاهمات علنية او ضمنية وما هي المطالب الموضوعة على الطاولة وفي اي ظروف سيكون ذلك ؟

ثلاثة امور تبرزها مصادر ديبلوماسية في اطار المساعي القائمة : انقاذ لبنان ومنع المزيد من تدهوره واعطاء الامل للبنانيين بان البلد لا يزال قابلا للعيش ولا يزال يستحق العمل من اجله واعادة لبنان الى الرادار الدولي كما كان سابقا باعتبار ان هذا الامر ليس موجودا لا اقليميا ولا دوليا . ولكن لا ينبغي الوهم او المبالغة بان الهواجس قوية ازاء بذل اهتمام كبير اللهم باستثناء الاصرار على اجراء الانتخابات في موعدها والمحافظة على المؤسسات والاسراع في الاجراءات الاصلاحية . اي لا مقاربة عملانية لاي تغيير في المعادلة السياسية بمعنى وضع سلاح الحزب على الطاولة فيما انه لا يجب اهمال تداعيات الترسيم البحري على مستقبل الحزب وسلاحه