… “خلّونا نعرف” فقط!!

… “خلّونا نعرف” فقط!!

الكاتب: نبيل بو منصف | المصدر: النهار
5 تشرين الأول 2022
نودّ التصديق فعلاً في الأيام التي يمليها انتظار الإبرام النهائي لـ”اتفاق هوكشتاين” ان لبنان يخرج بنسبة مكاسب مئة على مئة بهذه الصفقة الاستراتيجية التي أحدثت مشهدا غرائبيا اشتعلت معه إسرائيل بعاصفة سياسية – انتخابية فيما لاذ لبنان بهدوء نادر غير مسبوق كأنه يمرر اتفاقا تجاريا عاديا ! نقول “التصديق” الكامل ليس من باب الانتقاص من اتفاق يبدو مثبتا انه منح لبنان الكثير من مطالب وحقوق لا يمكن التنكر لأهمية منحها وتحقيقها كمكاسب وطنية وسيادية واقتصادية تعود في البُعد الجوهري العميق الى مجموع اللبنانيين وليس الى أي فئة او فريق او جهة اطلاقا، بل لأن انجاز تطور كهذا، ومهما تفنّن الذين يبرعون الآن في تصيّد اللحظة، يتصل أيضا بلحظة ومصالح وظروف دولية وإقليمية، اضافة الى ما خلّفته تداعيات الانهيار في لبنان، وإلا لَما كنا نتصور “هبوط” هذا الاتفاق بهذه الوتيرة السلسة على اللحظة اللبنانية المثقلة بتشابك أولويات واستحقاقات تتزاحم على نحو خيالي.
ومع ذلك ترانا نقف امام “طرائف” وغرائبيات في الانفعالات المشتعلة لبنانيا حيال الاتفاق قد تكون بذاتها بأهمية تفوق المواقف السياسية المعلنة منه. فان يختصر المشهد اللبناني بصورة اجتماعات قصر بعبدا وحدها حيال اتفاق وضعه الوسيط الأميركي وتعمّد توقيتا متوهجا له متزامنا مع مسار الانتخابات الرئاسية اللبنانية وعشية الانتخابات العامة الإسرائيلية، فهو اختزال واجتزاء لا نفهم كيف يسكت عنه كثيرون ولو بداعي ان الاتفاق جاء لمصلحة لبنان بدليل ان “حزب الله” ليس فقط يرحب به بل يتباهى بانه وراء التوصل اليه.
لسنا مع الذين تخوّفوا من ان يكون لبنان امام استعادة لـ”اتفاق القاهرة” في المضمون الاجرائي والأمني. ففي السنة 2022 لم يعد ممكنا تصور “تهريبة” استراتيجية بهذا الحجم مع وجود الثورة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والانفجار المعرفي التكنولوجي بحيث يستحيل تمرير أي تفصيل عادي من دون انكشاف، فكيف بتطورٍ مثل اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل. ولكن استعارة “اتفاق القاهرة” في الشكل تكاد تتطابق تماما لناحية استفراد طاقم السلطة المهيمنة على بقايا هذه الدولة الهالكة بأفضالهم وافعالهم وسياساتهم الى درجة انهم يودّون في الأيام المتبقية من “آخرة” العهد ان يتلقفوا “هدية” آموس هوكشتاين باستئثار كلّي كأن اتفاقا مع إسرائيل بوساطة أميركية وبرعاية وضمان الأمم المتحدة هو “ملك” فردي وشخصي وجهوي لهذا التحالف الذي عرف لبنان أسوأ انهيار شهده بلد في العالم على ايديه.
والحال ان هذا الاتفاق تحديدا، وما دام لا يرقى الى مستوى معاهدة، يغدو ادعى الى عرضه واستعراضه و”فلشه” جهارا نهارا وعلنا في جلسة خاصة لمجلس النواب امام الرأي العام اللبناني وتفسيره وشرحه من كل الجوانب. فماذا يخيفكم وماذا يدفعكم الى هذا “التستر” الاجرائي ما دمتم تزعمون بما لكم ولغيركم في ما أوصل هذا الاتفاق الى ان يرى النور؟ يتبارون الآن في الشماتة بإسرائيل العدوة بانها سقطت في حفرة الانقسامات الانتخابية والسياسية حيال الاتفاق. حسنا، ولكن اين ديموقراطية لبنان في ترك اتفاق استراتيجي بمثل هذا التطور لا يمر على المؤسسات، لا مجلس وزراء ولا جلسة مناقشة استثنائية لمجلس النواب؟ ام تراكم تتهيبون الاعتراف بوقائع وحقائق خلفية قد تتسبب بوقف توظيف معادلات الاستقواء على لبنانيين آخرين تحت حجج الصراع مع إسرائيل، منها ان هذا الاتفاق يزيل جزءا كبيرا من مسببات الصراع الحربي معها؟ أقله “خلّونا نعرف” وسنتسامح!