قادة الموارنة “يعدمون” القرار المسيحي

قادة الموارنة “يعدمون” القرار المسيحي

الكاتب: غسان حجار | المصدر: النهار
1 كانون الأول 2022

شهر مرّ على الشغور الرئاسي، والمطالبة بإنهائه ووضع حد له كذبة الموارنة تحديداً، إذ إنهم، بعنادهم، وبأنانياتهم، وبصراعهم على السلطة، يعطلون الاستحقاق مرة بعد مرة، ثم يتباكون على الموقع الأول في البلاد، ويفسحون في المجال أمام كل العواصف والرياح تهبّ على الرئاسة حتى لتكاد تطيح كل رأي لهم في تحديد الاسم والمواصفات لاختيار رئيس جديد للبلاد.
في العام 2014، بادر العماد ميشال عون، الذي فاته قطار الرئاسة الموعود في العام 2008، الى التعطيل لمدة سنتين ونصف سنة، ليدخل قصر بعبدا في 2016، دخول الفاتحين، ويخرج منه منكسراً خاسراً بعد ست سنين.

مضى معه في التعطيل “حزب الله” وهو الاقدر والافعل في هذه اللعبة. لكن الحزب، وعلى رغم ما لديه من قوة وجبروت، لم يكن قادراً على التعطيل في ما لو اتفق “التيار الوطني الحر”، مع “القوات اللبنانية”، وحزب الكتائب، و”تيار المردة”، على مرشح، أياً يكن اسمه، لان “حزب الله” كان ليتَّهم بإلغاء الدور المسيحي، وسيدفع آخرين الى عدم احترام الإرادة الشيعية شبه الجامعة في اختيار، أو في إبقاء، الرئيس نبيه بري في مجلس النواب.

إضافة الى دعم “حزب الله”، لم يتمكن العماد ميشال عون من ولوج قصر بعبدا، إلا بعدما زار معراب وعقد اتفاقاً مع “القوات”، وحطَّ في “بيت الوسط”، وعقد مصالحة ليس مع الرئيس سعد الحريري فقط، وإنما مع الحريرية كلها. ثم زار المختارة، ولم يطالب رئيس التقدمي وليد جنبلاط بأجراس الكنائس المزعومة.

إذاً الذي مارس التعطيل، يشكو منه اليوم. وتوزَّع التهم حيناً على “حزب الله”، وتارة على إيران، ومرات على السعودية وغيرها، ويتناسى أهل الداخل، أو يحاولون التذاكي عبر التناسي، بأنهم لم يتفقوا، ولم يجتمعوا على مرشح.

لا يحتاج الوزير السابق سليمان فرنجية، أو قائد الجيش العماد جوزف عون، او اي مرشح آخر، الى الكثير ليخطوا الى بعبدا، جُلّ ما يحتاجه المرشح غطاء مسيحياً، وعدم وجود “فيتو” من الآخرين. “الفيتو” الموجود حالياً مسيحي بالدرجة الأولى، وهو ما يعطل الاستحقاق.

ولا يعني الأمر تبرئة الآخرين، لكن إلقاء التبعة على الآخرين فقط، من دون محاسبة ذاتية، أمر مقلق في العمل السياسي، إذ إن هؤلاء القادة يمضون الى إعدام جماعي لمجتمعهم ولقدرتهم على الاتفاق وإمساكهم بالقرار.

أمام أزمة الموارنة المستفحلة، باتت المطالبة بالمداورة في الرئاسات مقبولة، ولنقل في مرحلة أولى مداورة الرئاسة الأولى بين المسيحيين أنفسهم قبل بلوغ المداورة الأوسع. ربما يؤدي انتزاع الرئاسة من الموارنة الى صحوة ضمير واستفاقة من غيبوبة الأنانيات المستحكمة فيهم، والتي تدفعهم الى التقاتل، والقتل أيضاً. ولم يكن القتل المعنوي لـ”المجتمع المسيحي” أكثر إيلاماً من القتل الجسدي، إذ إن الإحباط من سوء الأداء، لا يسود المجتمع المسيحي المحلي فحسب، بل إن الحساسيات انتقلت عبر اللبنانيين الى المغتربات، ولا يمكن تجاوز الإحباط الحقيقي الذي يلمسه زوار قصر الإليزيه، أو دوائر الفاتيكان، التي ترى أن الاخفاق المسيحي هو ابن بيئته أولاً، وأن لا إمكان للتحاور مع الشريك في الوطن، في ظل مجموعات متنازعة متضاربة.

ربما ليست المذاهب الأخرى أفضل حالاً، لكنها ليست في الموقع الأول، وليست في الموقع المعطل لذاتها.

قال المطران الياس عوده في عظة الأحد الفائت إن “التعطيل جريمة في حق الوطن”، وأسف لأن “بلادنا أصبحت محكومة من ثلة لا تأبه بالوطن، ولا بأبنائه، وجُلّ اهتمامها المناصب والمراكز والمصالح ولو على حساب البلد والشعب”.