هل المهلة مفتوحة لإقرار شروط “الصندوق”؟

هل المهلة مفتوحة لإقرار شروط “الصندوق”؟

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
1 كانون الأول 2022

مع تراجع الآمال في إمكان انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة في المدى المنظور، يعود ويبرز السؤال اذا كان لا يزال للبنان الوقت الكافي من اجل الاستفادة من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهل ان الكباش الحاصل في مجلس النواب حول “الكابيتال كونترول” هو مؤشر الى ان هناك نية مبدئية بذلك اي الاستمرار في الاتفاق ظاهريا، ام انه تعبير عن ان الاعتراضات السياسية مانعة لتنفيذ الاتفاق؟ وذلك يفترض ان يشكل دليلا على ان اطراف السلطة لا يزالون يرغبون في هذا الاتفاق ولكنهم لا يتوافقون على حيثياته.

وتاليا ما هو اثر الشغور الرئاسي واستمرار الفراغ بحيث يثار تساؤل عما اذا كانت الفرصة التي اتيحت لا تزال قائمة، علما ان المتغيرات على الارض تتغير وما تم توقيعه مع الصندوق باتفاق مبدئي قد تكون تبدلت معطياته؟ وماذا اذا تغيرت هذه المعطيات الى الاسوأ بدلا من ان تتغير الى الاحسن، لا سيما ان الاتفاق المبدئي وُقّع قبل الانتخابات النيابية الاخيرة وكانت الحكومة تتجه الى اعتبارها مستقيلة والى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية.

ولا يمكن القول ان مسؤولي الصندوق لم يأخذوا في الاعتبار هذه العناصر ولكن كانت الحسابات مبنية على بضعة اشهر، واستمرار الشغور الرئاسي بضعة اشهر اضافية يهدد بأخذ الامور الى منحى آخر، لا سيما ان تسيير الامور بمعزل عن الوضع السياسي امر يراهَن عليه ويمكن حصوله، ولكن من دون نجاح يّذكر حتى الآن . فـ “الكابيتال كونترول” كان يجب ان يُقر قبل ثلاث سنوات ولكن لا يزال الأخذ والرد السياسيان قائمين من دون التوصل الى اتفاق على اقراره مع مخاوف من ألا يكون يؤدي الغرض منه بعد تجويفه من النتيجة المرجوة حتى لو كان الامر تلبية لمطالب صندوق النقد.

يستند البعض الى الكلام المتجدد للسفيرة الاميركية دوروثي شيا قبل يومين من ان لبنان ليس في وضع ميؤوس منه وان عليه التوجه الى تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واجراء الاصلاحات من ضمن اجراء الاستحقاقات الدستورية المفترضة من اجل الدلالة على ان الاتفاق مع الصندوق لا يزال على الطاولة ولم يُرفع او لن يُرفع قريبا، بل هو الجزرة التي لا تزال تُستخدم من اجل اغراء اهل السلطة لحضّهم على اجراءات يشدد الخارج حتى الآن على منع امكان نهوض لبنان من دونها. كلام السفيرة الاميركية مهم في هذا السياق لكون الولايات المتحدة دولة مساهمة اساسية في الصندوق، فضلا عن عدم امكان التخلي عن الورقة الاساسية الوحيدة التي يمسك بها الخارج من اجل مساعدة لبنان بسهولة. وهو مهم كذلك في ظل تأكيد مصادر دولية ان الاتفاق مع الصندوق لا يزال الشريان الوحيد الذي يعول عليه الخارج من اجل الابقاء على “انعاش” لبنان وتوفير امكانات نهوضه مجددا.

فالامر ليس تقنيا فحسب بمعنى المخاطرة التي اخذها الصندوق من اجل توقيع اتفاق مبدئي مع لبنان في ظل عدم وجود ضمانات مؤكدة لتنفيذه، بل هو سياسي ايضا. وهذه النقطة في تصريحات او مواقف مسؤولين من “حزب الله” تبرز اهمية الترسيم البحري مع اسرائيل من حيث اتاحة استثمار الثروة البحرية المفترضة الاستغناء عن مليارات محدودة من صندوق النقد، وذلك على رغم ان لا نتائج محتملة للاستفادة من النفط البحري في حال وجد قبل سنوات لا يمكن ان ينتظرها لبنان. مما يعني ان لا غنى عن الاتفاق مع الصندوق في حال كانت المماطلة في تنفيذ شروطه هي للتهرب من الاتفاق المبدئي ايا تكن المليارات القليلة التي سيحصل عليها لبنان. فالاصلاحات التي سيستند اليها اعطاء لبنان هذه المليارات القليلة هي جواز العبور لفتح ابواب استثمار جديدة امام لبنان لا يظهر ان هناك استعدادات لفتحها لاعتبارات سياسية في الدرجة الاولى.

وحين حددت الاطراف السياسية المواصفات التي تراها مناسبة لانتخاب الرئيس العتيد، فان غالبية هذه المواصفات كانت فوقية، اذا صح التعبير، سواء كان ذلك لعدم طعن “المقاومة” في الظهر كما يريد “حزب الله”، أم في اتجاه انتخاب رئيس سيادي في المقلب الآخر بغضّ النظر عن صحة او صوابية كل منهما او اولويتهما. في حين ان مهمة الرئيس العتيد لمن يقارب ما يحصل فعلا في البلد ومستوى الاهتراء الذي يواجه كل القطاعات والخدمات العامة والمؤسسات، يجب ان تنطلق من تحت، اي من الصفر، حيث لا وجود للدولة على الارض وفي الشارع ولا في اي مكان. ومع ان اي رئيس للجمهورية لن يحمل معه عصا موسى لانتشال البلد فور وصوله، لكنه يحتاج الى توافق الاطراف السياسية لاعادة البناء من الصفر بما في ذلك انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الاصلاحات. وكل المؤشرات التي يتم التعبير عنها ان في مجلس النواب او خارجه لا تظهر اي التقاء في الحد الادنى على ابسط الامور، في حين كان يمكن ملء الوقت الضائع الحائل دون انتخاب رئيس جديد بانجاز بعض القوانين الملحّة من دون ان يغني ذلك عن اهمية انجاز الاستحقاقات الدستورية.

وتأمل المصادر المعنية ان يبقى لبنان يظهر اهتماما بالاتفاق مع الصندوق ويعمل من اجله لئلا يفقد اي اهتمام خارجي به. ويخشى ان اللعب يحصل على خيط دقيق بحيث ان الاغراق في المراوحة سيفقد بنود الاتفاق مع الصندوق اهميتها مع التحولات المعبرة عن انهيار متزايد في البلد.