المجتمع الدولي يرفض عودة نازحي سوريا فهل تريد هي ذلك؟

المجتمع الدولي يرفض عودة نازحي سوريا فهل تريد هي ذلك؟

الكاتب: سركيس نعوم | المصدر: النهار
2 كانون الأول 2022

لم تملّ الدولة اللبنانية في أثناء ولاية الرئيس السابق ميشال عون من مطالبة المجتمع الدولي بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم من جرّاء ثورتهم الإصلاحية وبعد تحوّلها حرباً أهلية شاركت فيها التنظيمات الإسلامية التكفيرية. فتصريحات رؤسائها الثلاثة ووزراء خارجيتها وداخليتها والشؤون الاجتماعية فيها تكفي موادّ لكتاب دسم من حيث الحجم ولكن ليس من حيث المضمون. فهم لم يفوّتوا قمة عربية وجمعية عمومية للأمم المتحدة واتحاد البرلمانات العربية وأي لقاء ثنائي سواء على مستوى رئاسي أو وزاري أو حتى أمني من دون أن يطالبوا بمساعدة هذه الدولة “المشلّعة” غير المؤهّلين حكّامها على تنوّعهم وشعوبها وطوائفها ومذاهبها وقادتهم لإصلاحها.

لكنهم كانوا يعرفون في قرارة أنفسهم أن طلبهم لن يُستجاب لأن المطلوب منهم وهو عودة النازحين الى بلادهم سوريا لم ينضج بعد. أولاً لأن حربها لم تنتهِ رغم تحقيق النظام الحاكم فيها انتصارات عسكرية بمساعدة إيرانية وعبر الوكلاء وأخرى روسية على الحركات الإرهابية، وحقّقت نوعاً من الأمن المضبوط برغم استمرار الحرب في مناطقها المتاخمة لتركيا والعراق، والتي توجد فيها قوات تركية وروسية وأميركية وكردية وخبراء أمنيون وعسكريون إيرانيون وميليشيات إيرانية الهوى. وثانياً لأن المجتمع الدولي بمنظماته ودوله لا يعتبر أن الحرب في سوريا الأسد أو عليها انتهت ويرفض تالياً إعادة النازحين منها الى لبنان كما الى دول مجاورة غيره وأخرى بعيدة خوفاً من تعرّضهم للقمع، إذ إن نسبة كبيرة منهم أو تحديداً من رجالهم والشباب قاتلت ضدّها وفرّت الى لبنان وغيره ثم لحقت بهم عائلاتهم.

عودة هؤلاء قبل التوصل الى تسوية سياسية نهائية للحرب لا بد أن تهدّد حياتهم أو على الأقل حياة رجالهم والشباب، كما لا بد أن تشكّل تهديداً للنظام السوري في ظل استمرار الخلافات بينه وبين محيطه العربي واستمرار التناحر العربي – العربي والإقليمي – العربي الذي كان أحد أهم أسباب تحوّل سوريا بركاناً انفجر بشعبها على اختلاف انتماءاته. وثالثاً لأن سوريا نفسها، خلافاً للترحيب “الناشف” والمحدود بعودة نازحيها لا تبدو جاهزةً لاستقبالهم ولتوفير حياة آمنة وكريمة لهم. ذلك أن الحرب دمّرت عدداً كبيراً من مدنها وبلداتها وقراها وقضت على اقتصادها المتنوّع، وأطاحت الحياة السياسية والأخرى العادية فيها، ووزّعت المؤسسات الأمنية والعسكرية على الجهات الإقليمية والدولية التي ساعدتها عسكرياً في حربها. عدم الترحيب هذا لم يصدر ولا يصدر الآن عن إعلام معادٍ لسوريا، إذ قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أُجريت فيها قبل سنوات سأل “الموقف هذا النهار” حلفاء لبنانيين موثوقين لها لم يوفّروا أي جهد لمساعدتها على الانتصار أو الفوز على الأقل إن كانت عودة نازحيها الى بلادهم ممكنة أو مرغوباً فيها، فتلقى الجواب الآتي: “لم يمكن القول في صورة عامة إن أجواء عودة أو إعادة النازحين السوريين وأقلّه من لبنان الى بلادهم إيجابية. فالبعض من الأجهزة الأمنية طرح فكرة عودة محدودة طبعاً لهؤلاء قبل الانتخابات الرئاسية إذ أنها تُعطي الرئيس بشار الأسد وجهاً تصالحياً أمام شعبه والعالم، كما تؤمّن زيادة ملحوظة في عدد ناخبيه لولاية جديدة. لكن البعض الآخر من الأجهزة لم يرحّب بالفكرة. وتردّد في حينه أن الأسد لم يقتنع بها أيضاً ربما لأنها لن تكون مفيدة له ولا لنظامه وبلاده نظراً الى كونها خطوة جزئية”.

طبعاً سيستمر لبنان في مناشدة العالم بمنظماته ودوله وخصوصاً بعربه للقيام بما يلزم لعودة النازحين. لكنه يعرف في قرارة نفسه أنه لا يستطيع الامتناع عن هذه المناشدة لأن خطر النازحين السوريين الى أرضه المنتشرين في كل مناطقه على تنوّع انتماءاتها الطائفية والمذهبية والدينية والسياسية صار كبيراً. وهو يكبر في استمرار لا بل صار خطراً وطنياً من جرّاء انحلال الدولة ومؤسساتها المتنوّعة وعجزها عن ضبطهم بقواها العسكرية والأمنية وأجهزتها، كما عن توفير حاجاتهم المعيشية وحاجتها المستمرة لتأمين بعضها بواسطة منظمات دولية. جعل ذلك كله من هؤلاء “لبنانيين بالقوة” فاستباحوا منفردين كما مع “شركاء” لبنانيين البلاد وأبناءها ثم كوّنوا معهم عصابات “أخوية” وألحق ذلك ضرراً كبيراً ولا يزال يُلحقه بحياة اللبنانيين وأعمالهم وأمنهم، إذ قتلت هذه العصابات وخطفت أولادهم وأغنياءهم وفقراءهم وضاربت على أعمالهم الى آخر المعزوفة. طبعاً لا يرمي ذلك الى نشر فكر تعصّبي وطني وطائفي ضد النازحين السوريين. فهم مظلومون ومن زمان من دولتهم ثم من المجتمع الدولي فالمجتمع العربي وأخيراً من التنظيمات الدينية المتشدّدة والإرهابية. وقد ظلموا معهم اللبنانيين مرتين، مرة كانوا لا يزالون في بلادهم قبل “الحرب الكونية” على سوريا ومرة بعد نزوحهم الى لبنان في أعقاب نشوبها، علماً بأن حكّام لبنان بل منظوماته السياسية لم تقصّر في ظلم أبنائه ومواطنيه.

طبعاً أيضاً سيستمر لبنان الرسمي في غشّ نفسه ومواطنيه بالعمل النشيط لإعادة آلاف قليلة جداً من نازحي سوريا إليه. لكن عودتهم كانت ولا تزال فولكلورية وستبقى كذلك لأن قراراً بالعودة، سورياً كان أو دولياً وحتى لبنانياً، لم يُتخذ بعد ولأن دولة لبنان عاجزة عن القيام بهذا الأمر بالقوة. في هذا المجال لا يستطيع اللبنانيون أن ينسوا أن المنظمات الدولية اقترحت على لبنان إقامة مخيمات لنازحي سوريا على أرضها المحاذية مباشرةً للحدود مع لبنان. وهذا أمر فعله الأردن، فكانت مخيمات النازحين فيه تليق بالإنسان النازح. لكن لبنان رفض الإقتراح. والسؤال: هل كان يستطيع قبوله ولا سيما بعد تحوّل المنطقة الحدودية السورية مع لبنان منطقة قتال على مدى سنوات بين النظام السوري وحليفه “حزب الله” من جهة والمنظمات الإرهابية المتنوّعة؟

في النهاية لا بد من طرح أربعة أسئلة جدّية هي الآتية: أولاً هل يريد المجتمع الدولي توطين النازحين السوريين في لبنان؟ والجواب هو كلا. لكن العقل الدولي ولا سيما في العالم الأول مفتوح دائماً أمام توطين أو إدماج مهاجرين أجانب أو لاجئين في بلدانه لأنه يحتاج دائماً الى يد عاملة. أما الثاني فهو: هل يريد النظام السوري استعمال النازحين من بلاده الى لبنان وإن كانت غالبيتهم معادية له لاستعادة نفوذ له فيه، وهو قادر على ذلك؟ الثالث هو: هل يراهن لبنانيون على توظيف النازحين أو بعضهم في معاركهم الطائفية والدينية والمذهبية؟ أما الرابع فهو: قيل قبل سنوات إن عدد النازحين السوريين الى لبنان يراوح بين مليون و200 ومليون و500 ألف. فكيف وصل عددهم الى مليونين و80 ألفاً استناداً الى تصريح رسمي أدلى به المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبرهيم قبل أسابيع؟ وهل كانوا ازدادوا على هذا النحو لو كانت دولة لبنان واعية بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية وطبعاً السياسية؟