سرّ الجَرْدة وتوقيتها، ذهب لبنان.. هل يذهب مع الريح؟

سرّ الجَرْدة وتوقيتها، ذهب لبنان.. هل يذهب مع الريح؟

الكاتب: حنان حمدان | المصدر: الراي الكويتية
14 كانون الأول 2022

يتخوّف لبنانيون كثر من بيع أو رهن احتياطي مصرف لبنان من الذهب، بعدما تضاءل حجم احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية إلى ما دون الـ10 مليارات دولار أميركي في ظل الأزمة الإقتصادية والنقدية التي تعيشها البلاد منذ أواخر العام 2019.

وأعلن مصرف لبنان المركزي في بيان نشرته «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية في نوفمبر 2022 الماضي إنجاز عملية التدقيق في موجوداته من الذهب (سبائك ونقود معدنية)، والتي أجرتْها شركة تدقيق عالمية تم اختيارها وتكليفها من مفوض المراقبة الخارجي للمصرف بالتنسيق والتوافق مع صندوق النقد الدولي.

وتَبَيَّنَ بعد استكمال عملية التدقيق، أن موجودات خزنة مصرف لبنان من الذهب مطابقة تماماً، كمّاً ونوعاً، للقيود المسجَّلة في السجلات المحاسبية لمصرف لبنان.

وجاءت هذه الخطوة، بناءً على طلب صندوق النقد الدولي وتعزيزاً للشفافية في موجودات مصرف لبنان، وفق ما أتى في نص البيان، الذي ترافق مع انتشار صورة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يقف داخل خزنة «المركزي» إلى جانب سبائك الذهب، الأمر الّذي طرح تساؤلات كثيرة لدى اللبنانيين حول الهدف من هذا الإعلان ومصير الذهب في ظل انعدام ثقة الناس بالسلطة النقدية والسياسية في البلاد.

وذهب كثيرون للتشكيك في توقيت حصول هذا التدقيق باعتبار أن المركزي لم يتعاون على مدى سنوات الانهيار النقدي مع كثير من الطلبات لإجرائه.

ما الذي تعنيه الصورة؟

يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني لـ «الراي» إن «هذه الخطوة تذهب باتجاه تنفيذ أحد الشروط المسبقة المطلوبة من صندوق النقد الدولي من أجل توقيع الاتفاق النهائي مع لبنان».

ويشترط الصندوق على لبنان إجراء إصلاحات عدّة لقاء منحه قروضاً مالية بما بين 3 و5 مليارات دولار، ومنها الكابيتال كونترول وإلغاء السرية المصرفية وإقرار الموازنة العامة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

ولكن السلطة اللبنانية تسير ببطء شديد في تجاه تنفيذ هذه الخطوات وتتجاهل أو ترسل إشارات سلبية في بعض الإصلاحات، كالقضائية مثلاً.

تشكيك وتساؤلات

قد تعني هذه الخطوة أن لبنان أنجز أحد الشروط المطلوبة منه، وتالياً هو يسعى لتنفيذها واحدة تلو الأخرى، على أمل التوصل إلى اتفاق. لكنها أيضاً أتت بعد تشكيك وتساؤلات كثيرة حول وجود هذا الذهب أو عدمه، فتمكّن المركزي من إثبات أنه حقاً موجود، حسبما يقول مارديني.

ويقول المحامي علي عباس عضو المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، وهي مجموعة حقوقية سياسية تتعاطى الشأن العام، لـ «الراي»: «بالنسبة إلينا لا ثقة بحاكم مصرف لبنان وبالمنظومة السياسية القائمة ولا نعتبر ان ما يقولونه ذات صدقية».

ويتساءل «ماذا بالنسبة لكمية الذهب الموجودة في نيويورك؟ هل يمكن ضمّها للذهب الموجود في لبنان، وهل يمكن التصرف بها، أو أن تكون ضمانة فعلية للدولة اللبنانية؟».

ويضيف: «الخوف الأكبر أن يتم تقديم هذا الذهب كضمانةٍ من أجل الحصول على القروض الدولية، وتالياً المساس بالذهب، بعدما تمّت سرقة المال العام وأموال المودعين. ولذا يهمنا أن يبقى الذهب بمنأى عن تصرُّف أو إجراء من الطبقة السياسية الموجودة».

ويختم: «ما نطلبه كمواطنين أن تكون هناك جهة محايدة تقوم باحتساب الذهب، في لبنان وخارجه، واسترجاعه من الخارج ووضعه في مكان آمن، لأنه الضمانة الوحيدة للشعب اللبناني الّذي قد توصله المنظومة الحاكمة إلى حال المجاعة في حال بقي تعاطي المسؤولين على ما هو».

وتملك الدولة اللبنانية نحو 286.5 طناً من الذهب، قسمٌ منه (يقدَّر بالثلث) مخزَّن في الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية (1975-1990) والباقي في مصرف لبنان. وبدأت المطالبات باسترجاعه من أميركا خوفاً من مصادرته في حال تخلف لبنان عن دفع ديونه الخارجية.

ومع اشتداد الأزمة المالية والنقدية في البلاد، ينقسم اللبنانيون، ولا سيّما على المستوى الرسمي، بين مَن يدعو لضرورة استخدام الذهب، وآخرين يرفضون المساس به.

خياران وحيدان

ويرى مارديني أن السلطة الراهنة أمام خيارين: إما هدر الذهب كما هدرت الأموال الأخرى أو استعماله في شكل سليم لتأمين حماية العملة اللبنانية والحفاظ على قيمتها.

ويضيف: «مخاوف الناس محقة طبعاً. إذ كان احتياطي لبنان من العملات الأجنبية في بداية الأزمة الاقتصادية بين 30 و35 مليار دولار، فيما لدى لبنان أقل من عشرة مليارات راهناً. وتالياً فرّط لبنان خلال ثلاث سنوات بأكثر من 20 مليار دولار وفي شكل خاطئ، ومَن فعل هذا الأمر يمكن أن يفعله مجدداً».

ويعيش اللبنانيون منذ خريف العام 2019، ظروفاً اقتصادية ومعيشية هائلة بقسوتها، إذ انهارتْ العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي الذي يمضي في تسجيل أرقام قياسية على عتبة 43 ألف ليرة، وخسرت الرواتب قيمتها وتراجعت قدرة الناس الشرائية، حتى باتت بعض السلع والخدمات الأساسية، مثل الغذاء والطبابة والإستشفاء، خارجة عن قدرة كثيرين منهم.

وتبلغ قيمة احتياطي الذهب للبنان، راهناً، نحو 15 مليار دولار أميركي ترتفع وتنخفض بحسب تبدل سعر الذهب.

الثقة أولوية

ويصعب استخدام الذهب بقرار من المركزي أو من الحكومة إذ يحتاج ذلك إلى إقرار قانون في مجلس النواب، ما يشكل حماية له ولو ضئيلة كما يرى كثيرون. ويشدد غالبية خبراء الاقتصاد على أن اللجوء إلى الذهب لا يكفي لحل الأزمة بل قد يؤدي إلى انهيار الليرة أكثر، فيزداد وضع الناس سوءاً.

وهنا، يحذر مارديني من مخاطر هدر الذهب مثلماً هدرت السلطة اللبنانية الأموال بالعملة الأجنبية. ويقول «الثقة بالليرة هي الأساس. وجود احتياطي الذهب والعملات الأجنبية في المصرف المركزي، هو الّذي يحافظ على القدرة الشرائية لليرة اللبنانية. والتفريط بهذا الاحتياطي، عبر بيعه أو رهنه، في ظل تضاؤل العملات الأجنبية، يؤدي إلى إنهيار الليرة أكثر».

ويضيف: «لذا يجب أن يكون الهدف الأول لمصرف لبنان وللقيّمين على السياسة النقدية السعي إلى زيادة إحتياطي العملات الأجنبية والذهب ما يعيد الثقة بالليرة ويؤدي إلى وقف انهيارها وليس العكس».

ويتابع: «لكن للأسف لبنان يتعاطي مع هذه المسألة بالمقلوب، فبدل وضع سياسة نقدية ترفع من الموجودات الخارجية لمصرف لبنان، يتمّ صرفها منذ بداية الأزمة».

ويختم: «أخشى ما أخشاه أن يتمّ التصرف بالذهب حين تنتهي دولارات المصرف المركزي». المشكلة في مكان آخر!

من جهته، يعتبر الخبير الاقتصادي جان طويلة، في حديث إلى «الراي» أن «عملية التدقيق أجابت على تساؤلات كثيرة، ولكن المشكلة ليست باحتساب كمية الذهب، رغم أنها خطوة جيدة، فهذا لن يبدّل واقع وجود فجوة كبيرة في المصرف المركزي».

انطلاقاً، مما ذكر، يقول طويلة «لدينا مشكلة ثقة على مستوى السياسة النقدية، والتعامل معها يكون من خلال نهج جديد وأكثر فعالية على المستوى نفسه. ولدينا أيضاً، فجوة مالية موجودة تُقدَّر بأكتر من 72 مليار دولار تزداد يوماً بعد يوم وهي معرّضة للإزدياد ما دام يتم تأجيل معالجة المشكلة الأساسية».

ويضيف: «هناك ضرورة لمعالجة هذه الفجوة ومشكلة الودائع والقطاع المصرفي والنقدي والمالي، والقيام بالإصلاحات المطلوبة على صعيد المالية والحوْكمة في إدارة الدولة وقطاع الكهرباء، وجميع هذه الأمور مؤجَّلة، لإرجاء الإصلاحات والهرب من المحاسبة».

ويلفت طويلة إلى أن «خريطة الطريق الإقتصادية مرتبطة بخريطة طريق سياسية يجب أن تأخذ طريقها الى الحل، ولا بد أيضاً من إصلاح الجسم القضائي كي يكون مستقلاً وقادراً على فرض دولة القانون». ويختم: «صحيح أن التدقيق أجاب على كثير من التساؤلات ولكن الذهب لن يشكل الحل للأزمات الموجودة في البلاد».