رسائل سلبية بعدم التوافق من باريس

رسائل سلبية بعدم التوافق من باريس

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
8 شباط 2023

يعتقد مراقبون ديبلوماسيون ان اجتماع باريس الخماسي حول لبنان وجه رسالة سلبية متعددة الاوجه. فان يكون انتظر الاعلاميون صدور بيان لم يصدر في نهاية الامر اعطى انطباعا سلبيا عن عدم التوافق في الاجتماع ووجود تباين في وجهات النظر او في المقاربات المعتمدة حالت دون صدور بيان لم يكن ليثير فعلا تساؤلات لو انه اعلن انه اجتماع تشاوري وليس متوقعا ان يصدر لا توصيات ولا اي شيء من هذا القبيل.

والامر الاخر ان التباين في وجهات النظر يقوي موقع الخصوم المفترضين من حيث انه يمكن استغلال ذلك وتوظيفه لمصلحتهم لا سيما اذا كان يعني ان لا اجماع خماسيا على موقف موحد او بنود متفق عليها للتفاوض حولها مع هؤلاء. وواقع ان الاجتماع هو سياسي تقني اكثر منه تقريري لا يلغي ان طبيعة المشاركة المصرية في الاجتماع على مستوى السفير المصري المعتمد لدى باريس خلف انطباعا ان لا امر جديا متوقعا من الاجتماع لا سيما بعدما سرى ان مساعدا لوزير الخارجية المصرية او مدير شؤون المنطقة في الخارجية المصرية الى جانب السفير المصري السابق في لبنان نزيه النجاري باعتباره خبيرا في الشأن اللبناني . ولم تستعن مصر بسفيرها في لبنان كما استعانت الدول الاخرى بسفرائها المعتمدين في بيروت. وفيما ان التوقعات لم تخرج عن اطار تكرار بيانات سابقة كذلك الذي اعلن من وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية في 23 ايلول الماضي على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة ، فان غياب تأكيد هذا الموقف فيما هو مبدئي عام لجهة ضرورة انتخاب رئيس وتأليف حكومة واجراء الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي ، يظهر تراجعا عن القدرة على التكرار في ظل العجز عن وجود الية عملانية تدفع في هذا الاتجاه وتكون مؤثرة في منع تفكك لبنان او تساءل القوى السياسية.

ولا يستبعد هؤلاء ان يكون ما تم التلاقي عنه من مواقف بقي بعيدا عن الاضواء لاعتبارات انجاحه . ولكن الملاحظات على الهامش الشكلي فحسب لهذا الاجتماع من دون المضمون تترك المجال واسعا للقوى السياسية لمواصلة الكباش عبر التمسك بالمواقف من دون اظهار اي رغبة في التنازل وفي انتظار ان يتعب الخصم ويتنازل هو . وثمة من يستغرب ما ينقل مثلا عن رئيس مجلس النواب نبيه بري من ان البلد لا يحتمل ليس لسنوات ولا حتى لاشهر بل اسابيع ومهدد بالانفراط ، فيما ان الموقف لدى مسؤولي “حزب الله” عبر عن لامبالاته بصراخ الاخرين لان بيئته مرتاحة ولن تصرخ كما قالوا .

وتفيد المعطيات المتوافرة لدى مصادر سياسية ان موقف بري يترجم وجود مفاوضات لم تصل بعد الى نتائجها فيما يفهم كثر ان ” حزب الله” متمسك بدعم رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجيه ولا يظهر اي استعداد للتراجع عن دعمه له حتى الان قيد انملة في انتظار ان يضمن على نحو ملموس ما لا يقل عن الثلثين او ثلاثة ارباع من حصته من اي مرشح اخر يمكن ان ينتهي اليه التفاوض المباشر وغير المباشر الجاري حول التسوية وراء الكواليس . وبحسب هذه المعطيات فان هناك تشاؤما لا يزال يرخي بثقله على موضوع الاستحقاقات الدستورية انما هناك اقرار بوقائع قد تفضي الى حل من بينها صعوبة تمرير انتخاب فرنجيه رغما عن ارادة القوى المسيحية المؤثرة اكانت القوات اللبنانية او الكتائب او التيار العوني على اختلاف مقاربة كل منهم لموضوع مرشح يدعمه ” حزب الله” للرئاسة .

وهناك اقرار بان اجتماع النواب المسيحيين في بكركي في حال دعا اليه البطريرك الماروني قد يسفر عن جمع عدد كبير من النواب المسيحيين المعارضين لفرنجيه والممثلين للكتل المسيحية الثلاث فضلا عن مستقلين يدعمون النائب ميشال معوض من هذا الباب بالذات فيتم تطيير الخيار الذي يتمسك به الثنائي الشيعي اذا طرح خيار دعم فرنجيه من عدمه في بكركي. وهذا من شأنه ان ينزع هذا الخيار من يد الثنائي الشيعي قبل وصوله الى مجلس النواب او يضعفه في أسوأ الاحوال. وعلى رغم ان هذا الامر معروف من حيث المبدأ فان مشهد النواب المسيحيين في بكركي الذين تتلاقى غالبيتهم العظمى على عدم دعم ترشيح فرنجيه وتعلن من بكركي رفضها لخيار انتخابه باعتباره مرشحا لفريق سيكون مؤثرا في هذا الاتجاه.

ولكن الحزب لن يسلم بسهولة باحتمال سقوط خياره في ظل مفاوضات يسميها البعض مستميتة من اجل استنزاف كل قدرة لدى الاخرين على التنازل قبل التسليم باي خيار اخر . ومن بين الوقائع ايضا ان خيار الثنائي الشيعي في دعم ترشيح فرنجيه كلف الحزب على الاقل اهتزاز تحالفه مع التيار العوني ما تركه وحيدا من دون حليف مسيحي في معركة الرئاسة الاولى راهنا بغض النظر عن مآل هذا التحالف وما اذا كان سيقتصر على الموضوع الرئاسي او سيتمدد الى جوهر العلاقة الثنائية بينه وبين التيار العوني . ولكنها وقائع لا يمكن تجاهل تأثيراتها حتى ولو من باب الاستقواء وابقاء البلد مفتوحا على خيار المزيد من الانهيار . يضاف الى ذلك خيار خصوم الحزب في عدم التنازل وتحديه في المواجهة الرئاسية .

ويعتبر البعض في هذا الاطار ان رفع موضوع حاجة قائد الجيش الى تعديل دستوري يدخل على صحته في باب تصعيب هذا الخيار الى جانب عدم الحماسة له ولو من دون رفضه او استبعاده كليا.