لبنان شقّ مساراً تطبيعياً مع سورية فوق أنقاض الكارثة الطبيعية

لبنان شقّ مساراً تطبيعياً مع سورية فوق أنقاض الكارثة الطبيعية

الكاتب: وسام أبوحرفوش | المصدر: الراي الكويتية
8 شباط 2023
– خُماسي باريس حول لبنان… «لقاء صامت»
– «إضراب المصارف»… ليّ أذرع حتى تدوير الزوايا
– ضحايا زلزال تركيا وسورية من اللبنانيين إلى ارتفاع وعشرات المفقودين… وحياة جديدة لآخرين

لم تتأخّر الارتداداتُ الـ «ما فوق إنسانية» للزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية في أن تشقّ طريقها إلى تعاطي لبنان مع هذا الحدَث الذي لم يكن ممكناً للعالم عزْلُه عن «الفالق» السياسي الموازي، بتفرعاته الاقليمية والدولية، الذي تتحرّك عليه الأزمة السورية التي تقترب من دخول عامها الـ 13.

فلبنان، الذي يقف على «صفيحٍ ساخن» مالي – سياسي حجبَ وهْجَه الزلزالُ المرعب الذي لفّ مناطقَ واسعةً من تركيا وسورية بـ «حزام» دمٍ ودمار، بدا وكأنه «يتسلّل بين الأنقاض» نحو ما يشبه عملية «انقضاض ناعم» من خلف ظهْر مسارٍ من «النأي بالنفس» الرسمي عن الحرب في سورية حتّمه الانقسامُ الداخلي حيال الموقف من نظام الرئيس بشار الأسد وعدم رغبة بيروت ولا «قدرتها» على التفرّد بخيارٍ سياسي من خارج مظلة دولية – عربية تفادياً للتغريد خارج سرب هاتين الشرعيتين.

وبينما كان الانهماك في بيروت بإحصاء عدد الضحايا اللبنانيين في مسرح «النكبة الكبرى»، وسط تقارير غير نهائية عن مقتل ما لا يقلّ عن 3 في تركيا بينهم الروائية دلال زين الدين (تردّد أن أولادها وحفيدها مفقودون) وإنقاذ آخَرين بينهم محمد شما وطفله الرضيع، ومصرع نحو 6 في سورية، من دون أن يكون ممكناً معرفة عدد المفقودين في البلدين (ذُكر أنه تم فقدان الاتصال بـ 30 لبنانياً)، قَرَع لبنان الرسمي ما يشبه «النفيرَ» السياسي – الديبلوماسي المحمَّل بأبعاد تطبيعية مع النظام السوري تحت عنوان «الكارثة الطبيعية»، في تطوّر طغى على الاستنفار الذي أُعلن تَحوُّطاً لأي «كابوس من تحت الأرض» يَدْهَمُ «بلاد الأرز» وبهدف مسْح الأضرار غير المباشرة التي لحقت بأبنية أو طرق (تصدّعات) جراء تلقيها عصف الزلزال المروّع فجر الاثنين.

وإذا كان الدعمُ الإغاثي عبر إرسال عناصر من الجيش اللبناني والدفاع المدني والصليب الأحمر وفوج إطفاء بيروت إلى المناطق المنكوبة في تركيا وسورية أمراً بدهياً على «المقياس» الإنساني، فإنّ اندفاعةَ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي نحو فتْح قنوات الاتصال مع النظام السوري والحرص على أن يكون هو ممرّ الدعم يشي بتفاعلاتٍ سياسية في الداخل وربما بتداعياتٍ خارجية في ضوء محاذرة عواصم عدة جعْل الكارثة الانسانية مدخلاً لتعويم الرئيس الأسد بمعزل عن مسارات الحلّ السياسي العالق، وبروز مخاوف من عدم وصول المساعدات إلى كل المناطق المتضرّرة في ضوء الفرز الجغرافي بين بقعٍ خاضعة للنظام وأخرى للمعارضة، وهو ما غمزت من قناته وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك «بدعوتها جميع الأطراف الدولية، ومنها روسيا، للضغط على نظام الأسد للسماح بالمساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال».

فبعدما كان ميقاتي أجرى عصر الاثنين اتصالاً برئيس الوزراء السوري حسين عرنوس متضامناً بعد الزلزال المدمر وأبلغ إليه وضع الإمكانات اللوجستية المتاحة في لبنان بخدمة جهود الإغاثة الجارية، شكل أمس وفداً وزارياً يتوجه اليوم الى دمشق لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين تتناول الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال وما يمكن أن تقدّمه بيروت للمساعدة.

ويضم الوفد وزراء: الخارجية عبدالله بو حبيب، الاشغال والنقل علي حمية، الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، والزراعة عباس الحاج حسن، الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير ومدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف حلو.

وسبق ذلك تَواصُلٌ بين رئيس الحكومة وبو حبيب وحمية وتم الاتفاق على تشكيل الوفد «تعبيراً عن الوقوف إلى جانب سورية في ظل الظروف العصيبة التي تمّر بها، كخطوة تكاملية مع البعثة اللبنانية التي تقرر إيفادها للمساعدة في عمليات الإغاثة الانسانية، وكذلك مع قرار وزارة الاشغال بفتْح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سورية».

وكان وزير الأشغال أعلن أن «بعثة لبنانية مؤلفة من الصليب الأحمر، فوج إطفاء بيروت، الدفاع المدني، إدارة الكوارث والجيش توجّهت إلى سورية صباحاً لتساعد في عملية إنقاذ الضحايا من تحت الركام»، كاشفاً «اننا اتّخذنا قراراً بفتح مرافقنا الجوية والبحرية أمام شركات النقل المحملة بالمساعدات الانسانية من الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، وإعفائها من رسوم المطارات والمرافئ خصوصاً تلك المتعلقة بمواجهة تدعيات الزلزال الذي حصل»، ومعتبراً ان «قرارنا جاء نتيجة أن بعض الشركات تمتنع عن الرسو والهبوط في المرافئ والمطارات السورية بفعل العقوبات المفروضة عليها (قانون قيصر)».

وأكد أنه «أجرى اتصالاتٍ مع عدد من شركات القطاع الخاص التي أبدت استعدادها للمساهمة في عمليات رفع الأنقاض من خلال آليات توفّرها لهذه الغاية، وسيتم التواصل بينها وبين المجلس الأعلى للدفاع والسفارة السورية لتنسيق الاعمال».

ويُذكر أن الجيش اللبناني أعلن عبر حسابه على «تويتر» أنه «سيرسل 15 عنصراً من فوج الهندسة إلى الجمهورية العربية السورية للمساهمة في أعمال البحث والإنقاذ».

وفي موازاة ذلك، انشغلت بيروت بملفين:

* سياسي ويتمثّل في خلاصاتِ الاجتماع الذي استضافتْه فرنسا (أول من أمس) وضمّ ممثّلين لكل من واشنطن والرياض وباريس والدوحة والقاهرة، هم مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف، نزار العلولا مستشار الديوان الملكي السعودي، مساعد وزير الخارجية القطري محمد الخليفي، والمستشار في الرئاسة الفرنسية للشرق الاوسط باتريك دوريل وآن غيغن مديرة قسم الشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية، وسفير مصر في باريس علاء يوسف.

وفي حين حضر الملف اللبناني بكل جوانبه المأزومة في اللقاء، من الانهيار المالي والأزمة الرئاسية والمخارج الممكنة لهما، فإن عدم صدور بيانٍ عن الاجتماع اعتُبر بمثابة إشارة مزدوجة: أولاً إلى أن مفتاحَ الحلّ يبقى بِيَدِ اللبنانيين أنفسهم وفق «القواعد» التي سبق أن أرستْها لقاءاتٌ ثنائية أو ثلاثية لنواة خلية المتابعة للملف اللبناني أو قمم خليجية لجهة التوازي بين الإصلاحات المالية وتصحيح التموْضع الاستراتيجي لبيروت واستعادة الدولة سيادتها وبسط سلطتها على كاملِ أراضيها والحدّ من تمكين نفوذ «حزب الله».

والثاني أن ثمة تبايناً في «السرعة» بين بعض أطراف اللقاء في التعاطي مع العنوان اللبناني ومدى الاستعداد لـ «الانغماس» في تفاصيله، ولا سيما الانتخابات الرئاسية، ما دام اللبنانيون يعلمون ما ينبغي أن يفعلوه، وأن بين المشاركين مَن يحاذر استدراجه إلى المسرح اللبناني وربْطه بالتزاماتٍ مسبقة قبل أن «يساعد اللبنانيون أنفسهم لنساعدهم».

* والملف الثاني الذي شغل بيروت تمحور حول الواقع المالي والنقدي، في ضوء استعادة الدولار الأسود مساره التصاعدي فوق عتبة 64 ألف ليرة، واستمرار المصارف بالإضراب العام الذي كانت أعلنته مساء الاثنين، على خلفية قرارات قضائية ضد البنوك، ولا سيما حُكْماً صدر أخيراً عن محكمة التمييز رَفَضَ اعتماد الشيك كوسيلةٍ لسداد ودائع المودعين (بعد قفل حساباتهم من دون موافقتهم) بموجب شيكات مصرفية مسحوبة على البنك المركزي وفَرَضَ أن يكون تسديدها نقداً وقرر الحجز على موجودات «فرنسبنك» ضماناً للتحصيل، وهو ما اعتبرت المصارف أنه يفترض أن يتيح لها وفق مبدأ المعاملة بالمثل اعتبار أن الشيك ليس وسيلة إيفاء من المقترضين الذين سيتعين عليهم سداد ديونهم نقداً.

وفي بيانها الذي أعلنت فيه الإضراب مع تأكيد استمرار عمل ماكينات الصرف الآلي لتقديم الخدمات الأساسية، ذكرت جمعية المصارف في لبنان، ان قرار الإضراب جاء بعد اجتماع عقدته لمناقشة «الاستدعاءات القضائية الأخيرة وتأثيرها على انتظام العمل المصرفي وحقوق المودعين»، معتبرة «أن عدم الاعتراف بالشيك المصرفي بأنه وسيلة دفع قانونية والسماح بالتنفيذ على الساحب حتى قبل إثبات عدم تحصيل الشيك وعدم توافر المؤونة بصرف النظر عن كونه يخالف القانون، من شأنه أن يجعل التعامل مقتصراً على الدفع النقدي، ما يجبر المصارف على المعاملة بالمثل وعدم قبول تسديد الديون العائدة لها من المدينين سوى نقداً وبنفس العملة، هذا في وقت تُلزَم المصارف بقبول الشيكات بالليرة اللبنانية تسديداً للديون حتى المحرَّرة بالعملة الأجنبية، فتطبّق القاعدة نفسها بطريقة مختلفة حسب العارض والمستفيد».

ورأت «ان إلزام المصارف بالتعامل النقدي، فضلاً عن انه يجعلها في استحالة مكافحة تبييض الأموال ما يخرجها من النظام المصرفي العالمي، يفرض توافر مبالغ نقدية هائلة لا توجد حتى لدى أكبر المصارف في العالم، في وقت إن إمدادها بالمبالغ النقدية من قبل مدينيها وعلى رأسهم الدولة اللبنانية ومصرف لبنان، غير متوافر أو مقيّد حتى بالليرة اللبنانية».

وإذ شددت على «ان الأزمة ليست أزمة مصرف واحد ولا حتى جميع المصارف، بل هي أزمة تطول النظام المالي والمصرفي بكامله، بدءاً من الدولة إلى مصرف لبنان ثم إلى المصارف»، طالبت بتمرير «قانون الكابيتال كونترول» الذي «يضع الضوابط على السحوبات والتحويلات إلى الخارج»، إلى جانب «قانون إعادة هيكلة المصارف»، كما دعت إلى «إقرار قانون معجل مكرر يلغي بشكل كامل وبمفعول رجعي السرية المصرفية» ما سيسمح للبنوك بمشاركة بيانات العملاء مع السلطات والقضاء من أجل التحقيق في المخالفات المالية.