قطر أبلغت “الجنرال” عون تأييداً عربياً لانتخابه رئيساً

قطر أبلغت “الجنرال” عون تأييداً عربياً لانتخابه رئيساً

الكاتب: سركيس نعوم | المصدر: النهار
8 شباط 2023

لا ينسى اللبنانيون دور قطر في بلادهم ولا سيما في إنهاء الفراغ الرئاسي الذي دام نحو سنتين بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود تخللتهما أحداث عدة كان أبرزها نزول “حزب الله” الى الشارع عام 2008 بمقاتليه وإرغامه الحكومة على التراجع عن قرار اعتبره مؤذياً له ومفيداً لإسرائيل. كان القرار وضع اليد على شبكة اتصالات كان يمدّها في العاصمة بيروت، وهي (أي قطر) بذلت مساعيَ جدية لإنهاء الفراغ الرئاسي وإعادة العاصمة الى وضعها الطبيعي ومعها لبنان.

كانت اجتماعات الدوحة في حينه حاسمة إذ أنتجت إجماعاً على انتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وعلى تأليف حكومة وطنية لـ”حزب الله” فيها الثلث المعطّل ووزير ملك، كما على تخصيص رئيس الدولة بحصة وزارية هو الذي لا يحق له ذلك بموجب اتفاق الطائف والدستور كونه حَكماً ولا يصوّت في جلسات مجلس الوزراء. طبعاً كان الهدف من “اتفاق الدوحة” كما سُمّي في حينه إعادة الوضع الطبيعي الى الشوارع اللبنانية. لكنه حقّق عكس ذلك. إذ بدلاً من أن يكون ظرفياً هدفه حلّ مشكلة طارئة وصعبة فإنه عدّل واقعياً في اتفاق الطائف على نحو يؤذي الوحدة الوطنية بدلاً من أن يعزّزها باستمرار تطبيق هذا الإتفاق نصاً وروحاً، علماً أنه حقّق أمراً جيداً في المقابل هو إعادة الحياة السياسية في البلاد رغم الهنات المذكورة أعلاه وإن غير الهيّنات.

يبدو أن المزاج اللبناني الشعبي العام اليوم يتمنى عودة اهتمام قطر بالبلاد بعد فشل الدولة وانهيار مؤسساتها باستثناء الجيش، كما بعد انهيار العملة الوطنية وازدياد نسبة الفقر وضمور الطبقة الوسطى وامتناع الدول العربية الغنية، وتحديداً الخليجية، عن تقديم ما يحتاج إليه لبنان من مساعدات، علماً أنها كانت تمده بالمساعدات دائماً. دافعها الى ذلك سيطرة “حزب الله” عليه في رأيها وانتهاجه سياسات معادية لها وانتماؤه الواقعي وإن غير الرسمي الى “محور الممانعة” جرّاء الدور الكبير لـ”حزب الله” وحليفته إيران الٍإسلامية.

أما لماذا المَيل الى قطر الآن فلأنها الدولة الوحيدة التي لا تضع شرطاً رسمياً للمساعدة هو التخلّي عن المحور المذكور وعن حليفه اللبناني وحماية المصالح الخليجية من الإرهاب والمخدرات، والإبتعاد عن التدخل ضد دوله وخصوصاً في اليمن الذي كان “سعيداً”. أما مَيل قطر الى المساعدة فيعود الى علاقاتها الثابتة مع الولايات المتحدة بل تحالفها معها الذي يوفّر لها الحماية المباشرة بواسطة “قاعدة العيديد” العسكرية على أراضيها. ويعود أيضاً الى علاقتها بإيران الإسلامية وتركيا وقوى دولية كبرى مثل فرنسا وروسيا والصين وغيرها. وقد حقّقت أخيراً أول نجاح لها في لبنان وكان دخولها رسمياً شريكةً في مجموعة الشركات الدولية التي ستتولّى الحفر للتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية بعد ترسيم الحدود البحرية رسمياً مع إسرائيل، علماً أن المساعدات المالية القطرية للبنان كانت مهمة لإعادة إعماره بعد حرب إسرائيل عليه في تموز 2006 وكانت شريكتها في ذلك المملكة العربية السعودية.

هل تقتصر عودة دور قطر الى لبنان على مساعدته إقتصادياً ومالياً و”نفطياً” إذا جاز التعبير أم تتجاوز ذلك الى دور سياسي هدفه تذليل الصعوبات الكبيرة التي حالت ولا تزال تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل ثلاثة أشهر وثمانية أيام؟ تفيد معلومات متابعين لبنانيين جدّيين لأوضاع بلادهم ومعهم باحث جدّي في مركز أبحاث أميركي مهم أن قطر هي واحدة من الدول المنخرطة في بذل جهود لـ”إيجاد” رئيس جديد للبنان. والتسريبات من عاصمتها الدوحة تشير الى تفضيلها قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً له.

السبب إقتناعها أو بالأحرى توقّعها أن يخلق توافقاً بل إجماعاً داخل لبنان وثقةً بينه وبين الإقليم والعالم. أبرز دليل على ذلك منح قطر الجيش اللبناني 60 مليون دولار أميركي لمواجهة صعوباته المالية بإيحاء من أميركا. تبعت ذلك دعوة القائد عون في 10 كانون الأول الماضي الى زيارة الدوحة. قوبلت الدعوة بانتباه لافت في لبنان وفي دول أخرى في المنطقة باعتبار عون الأكثر جدية والأبرز بين المرشحين للرئاسة، وصاحب علاقات جدية مع الحكومات العربية والغربية التي ترعى عادةً التسويات في لبنان. طبعاً تناولت المحادثات بين المسؤولين القطريين و”الجنرال” عون متابعة الدعم للجيش اللبناني. ويتردّد أن الدوحة أبلغته تأييداً دولياً وعربياً لترشحه للرئاسة. لكن المهم في رأيها موافقة القوى المحلية في لبنان مثل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وجهات أخرى، علماً أنها تباحثت مع رئيس الأخير، أي جبران باسيل، في ذلك وربما لا تزال على تواصل معه في هذا الشأن. وفي الإجتماع الخماسي في باريس أخيراً كان هذا الأمر على أجندة المباحثات داخله.

وتفيد المعلومات نفسها أن قطر تسعى الى لعب دور أكبر في الجهود الدولية الحالية لحل الأزمة اللبنانية لكن بموافقة سعودية وتعاون فرنسي ورعاية أميركية. وهي تدعم الجيش وترسل الى لبنان مساعدات صحية وتربوية وأخرى لقطاع النقل، في حين أن دعم دول خليجية أخرى له لا يزال غائباً. حتى الآن تجنبت السعودية إعلان أي دعم أو تأييد لأي مرشح رئاسي في لبنان، و”حزب الله” يبدو أنه ينتظر لمعرفة ما إذا كان سينشأ تفاهم لإعادة توحيد الحكومة والدولة. في اختصار، يتوقف نجاح قطر على رغبة الأحزاب والأفرقاء اللبنانيين في النظر بجدية في الحلول المقترحة وإن غير منسجمة مع حساباتهم الخاصة. وهو، أي الدور، يتوقّف على العلاقات بين اللاعبين الحاليين في المنطقة وخصوصاً واشنطن والرياض وطهران.