أيّ دلالات تحملها التطورات الحدودية الأخيرة وما علاقة “حزب الله” بها؟

أيّ دلالات تحملها التطورات الحدودية الأخيرة وما علاقة “حزب الله” بها؟

الكاتب: ابراهيم بيرم | المصدر: النهار
21 آذار 2023

كان أمراً مثقلاً بالدلالات والأبعاد عند الراصدين لمآلات الوضع عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ان يكشف إعلام “حزب الله” بعد وقت قصير على عملية “مجدو” النوعية في العمق الاسرائيلي عن لقاءين متتاليين جمعا اولاً الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله مع وفد قيادي من “حركة الجهاد الاسلامي” في فلسطين برئاسة امينها العام زياد نخالة، ثم بعدها بساعات لقاء جمع نصرالله بوفد من حركة “حماس” برئاسة القيادي الفاعل في الساحة اللبنانية الشيخ صالح العاروري.

فمن المعلوم ان التنسيق والتلاقي اليومي بين هذه الاطراف الثلاثة هو من الثوابت، فضلاً عن انه أمر مزمن، لذا فان الاعلان عن هذين اللقاءين في هذا التوقيت بالذات واحاطتهما بهذه الهالة الاعلامية، انما يأتي لخدمة هدفين: إما ردٌ عاجل على أمر طارىء حصل للتو، وإما الاستعداد والتهيؤ لملاقاة نقلة نوعية جديدة من الفعل والتنسيق الاستراتيجي.

ويتبدى جلياً ان ثمة تطورات ميدانية طارئة، واستتباعاً ثمة إعداد خفيّ لمقاربة مرحلة جديدة مختلفة، قد استدعى إجراء هذين اللقاءين ومن ثم وضعهما امام الاضواء الاعلامية على هذا النحو.

فمنذ فترة ليست ببعيدة تحدث بعض العالِمين ببواطن الامور عند العقل القيادي في محور الممانعة والمقاومة، وربما للمرة الاولى، عن ان اركان هذا المحور قد وضعوا انفسهم وجهاً لوجه امام “تقييم موقف” أعدّه خبراء استراتيجيون، من اهم نقاطه وبنوده الآتي: انه لم يعد مستساغا ولا مقبولا ان يبقى الرد على الهجمات الاسرائيلية العنيفة على المجموعات المقاتلة في الداخل الاسرائيلي وعلى الاستهدافات الاسرائيلية شبه اليومية للساحة السورية، مقصوراً على المستوى المألوف والمعتاد والقائم على قاعدتَي: الاستيعاب والامتصاص، أو تسجيل الهجوم الاخير في قائمة الحساب المفتوح مع الكيان الغاصب ما يعني حكماً تأجيل الرد.
وبناء على ذلك، صار مطلوبا وفق التقييم إياه ان يستعد العقل الاستراتيجي المفكر في هذا المحور لردٍّ نوعي غير مألوف، انطلاقا من اعتبارين اثنين:

– الاول توجيه رسالة صلبة الى الاحتلال تردعه عن المضي قدماً في هجمته الشرسة والضارية بغية القضاء على المجموعات الشبابية المقاومة التي دخلت للتو الى الميدان منتهجة مواجهات مختلفة ومستعدة لحرب مفتوحة مع العسكريتاريا الاسرائيلية تقوم على معادلة عدم تفويت اي فرصة للرد على الاعتداءات والهجمات الاسرائيلية، خصوصا في الضفة الغربية المحتلة بما للأمر هناك من دلالات وأبعاد.

– الثاني تقديم الاثباتات العملانية اللازمة من جانب هذا المحور على امرين: الاول ترجمة ما سبق للسيد نصرالله ان قاله في اكثر من اطلالة اخيرا من انه سيلجأ الى تصدير الفوضى الى داخل اسرائيل اذا ما بقيت واشنطن تمارس حصارها على لبنان وتسعى لإغراقه في الفوضى. والثاني تقديم براهين عملية تثبت ما سبق لنصرالله ان اعلنه ايضا عن “التشبيك” والترابط بين اضلاع محور المقاومة، تؤكد انها جميعها مستعدة لنجدة اي مكوّن من مكوناتها في حال اعتُدي عليه.

بناء على هذه الاعتبارات، تعامل الاسرائيلي بهذا القدر من الاستنفار واطلاق مناخات التهويل مع عملية “مجدو” التي نفّذت في بقعة جغرافية تحاذي الحدود اللبنانية (بالقرب من حيفا). اذ من المعلوم ان تل ابيب امضت اكثر من 36 ساعة على العملية قبل ان تقدِّم سردية لها تنتهي بتوجيه اصابع الاتهام الى “حزب الله”، محملة اياه التبعة والمسؤولية سواء كان المنفّذ من النخبة المقاتلة في الحزب المعدّة ليوم كهذا، ام ان بطل هذه العملية نجح في التسلل من الجنوب اللبناني الى مكان العملية بتسهيل من الحزب القابض على الوضع عند الحدود.
وفي كل الاحوال، عادت الانظار لتسلّط نحو المنطقة الحدودية حيث دارت تكهنات عدة حيال مستقبل هذا الوضع انطلاقا من واقعين اثنين:

– الاول ان الحزب قد انتقل من مرحلة التهديد والوعيد الى مرحلة التنفيذ باتباع نهج مختلف.

– والثاني ان تل ابيب ايقنت تماما ان الهدوء المعقول السائد والمحميّ على الحدود الجنوبية يمكن ان يتداعى وينهار في اي لحظة.

وعليه صار لزاما ان تتعامل (تل ابيب) مع هذا المستجد على نحو مختلف.

وفي الموازاة، فان الحزب اتّبع استراتيجية رد مختلفة اظهر فيها انه مستعد لأي احتمالات، فكانت خطوته الاولية الكشف عن ذينك اللقاءين ما يوحي ان التنسيق بين هذه الاطراف قائم وجدي، فضلاً عن انه يترك المجال مفتوحا امام الحديث عن امكان عودة الفعل الفلسطيني من الجانب اللبناني، خصوصا ان الحزب لم ينفِ في السابق روايات اسرائيلية وغير اسرائيلية عن عملية إعداد خفيّة لمجموعات من فلسطينيي لبنان قادرة على التنفيذ والخرق ساعة تؤمر.

اما اسرائيل فانها ذهبت ايضا في رحلة رد على التحدي الناجم عن عملية “مجدو”، اذ انها اغتالت احد القياديين العسكريين لـ”حركة الجهاد”، علما ان مصادر الحزب والحركة نفسها تؤكدان ان ليس من الضرورة ان يكون هذا القيادي هو المسؤول عن تنفيذ العملية، فالمهم في الامر ان اسرائيل تريد ان تثبت انها لم تفقد بعد قدرة الردع، وانه يتعين على المراهنين على استضعافها بفعل ازمتها السياسية اعادة النظر برهاناتهم او على الاقل ألّا يبالغوا فيها.

ويعتبر خبير استراتيجي في اتصال مع “النهار” ان ما يجري منذ فترة على جانبي الحدود يُستشف منه ان تل ابيب تستشعر منذ زمن ان شيئا ما يعدّ في الجانب اللبناني، لذا لجأت اخيرا الى اجراءات حدودية ردعية، منها مثلا زيادة أعداد اعمدة الرصد والتجسس مضيفة اليها اكثر من 150 عمودا، فضلا عن اجراءات وتدابير اخرى استعدادا منها لأمور تتوقعها وتتحسب لها، وقد صحّت هواجسها وتوقعاتها. ومع ذلك فان الطرف الثاني (الحزب ومن معه) نجح في عملية “مجدو” بتنفيذ ما يسمى في العلم العسكري “عملية من دون بصمات”، ونجح ايضا في مشاغلة الاحتلال بنمط عمليات يُطلق عليه ايضا مصطلح “عمليات شبحية غير مرئية”. ولكن الاكيد ان عملية “مجدو” فرضت وقائع ومعطيات امنية وعسكرية جديدة اربكت الاسرائيلي، فضلا عن انها اظهرت ان الفلسطينيين يطورون تكتيكاتهم واسلحتهم.

وعلى رغم كل ما حصل، بقي “حزب الله” على صمته المعتاد حيال اي رواية اسرائيلية تنطوي على اتهامات، تاركا الباب مفتوحا امام احتمالات مفتوحة، في مقدمها ما يشاع عن ان رمضان المقبل بعد ايام لن يكون بالضرورة كما رمضان الذي سبقه.