دولرة المساعدات للسوريين تقني أم سياسي؟ السجال اللبناني الحاد أدى الى تعليق القرار

دولرة المساعدات للسوريين تقني أم سياسي؟ السجال اللبناني الحاد أدى الى تعليق القرار

الكاتب: سابين عويس | المصدر: النهار
30 ايار 2023

إن كانت البلاد دخلت مجدداً في دائرة الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي مع التطور الجديد في موقف المعارضة وتوصّلها الى الاتفاق على مرشح موحد تخوض به الانتخابات الرئاسية في وجه مرشح فريق “حزب الله” – أمل، فإن هذا التطور لم يحجب الحدة التي اتسم بها موضوع دولرة المساعدات للنازحين السوريين، الذي شكل مادة تجاذب ساخنة الأسبوع الماضي، على خلفية التباين الذي تكشف على أكثر من جبهة داخلية وأممية.

فقرار الدولرة الذي يُفترض أن يبدأ العمل به مع نهاية أيار الجاري، كان عرضة لانتقادات شديدة كشفت حجم التخبط الحاصل في مقاربة ملف النازحين، ليس من بعده التقني، بما أن مسألة التحول الى الدولار هي شأن تقني، بل من باب الخلفية السياسية التي يتسم بها في ظل استمرار الضياع في مقاربة ملف اللجوء والحاجة القصوى لقرار سياسي يحدّد مصير النازحين الموجودين في لبنان.

لم تعط القمة العربية المنعقدة في جدة قبل نحو أسبوع أي ملامح جدية حيال موضوع عودة النازحين ومدى التزام نظام بشار الأسد العائد على سجادة حمراء الى الاسرة العربية بعد مقاطعة تجاوزت عقداً من الزمن، وتحديداً منذ اندلاع الحرب السورية، بتأمين العودة الآمنة لأبناء بلده، كما أن موقف لبنان في القمة لم يرتق الى المستوى المطلوب الذي فرضته الظروف الاقتصادية فيه، وعجزه عن الاستمرار في تحمل الأكلاف الباهظة للجوء، أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فيما بدا واضحاً أن الأسرة العربية لم تخرج عن الموقف الدولي عموماً والأوروبي على وجه الخصوص من هذا الملف الشائك والذي تحوّل مع مرور الزمن الى قنبلة موقوتة تهدّد الأمن المجتمعي والاقتصادي والتركيبة الديموغرافية للبلاد.

لم يقتصر التباين في هذا الموضوع على الموقف الأممي الجديد الداعي الى صرف المساعدات بالدولار الأميركي، والمستند الى تراجع القيمة الفعلية للدعم المادي بسبب تدهور سعر العملة الوطنية، بل تجاوزه الى خلاف واضح داخل الحكومة اللبنانية التي واجهت القرار الأممي بانقسام حاد تجلى في السجالات بين رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية، حيث رفض الوزير الأمر، مؤكداً تهميشه في المشاورات التي حصلت بين الحكومة ومفوضية شؤون اللاجئين، فيما اكتسب الخلاف طابعاً سياسياً تبادل فيه الطرفان الاتهامات، حتى انتهى الأمر الى إعلان المفوضية في بيان لها تعليق المساعدات بالعملتين اللبنانية والأميركية، والعودة الى الدفع بالليرة، بعدما مضت أشهر عدة على الدفع بالدولار، ما تصل قيمته الى ١٢٥ دولاراً للعائلة الواحدة المؤلفة من خمسة أشخاص، علماً بأن المعلومات تشير الى أن المفوضية كانت أرسلت كتاباً الى الوزير تبلغه فيه العودة الى نص الاتفاق الأساسي الذي يرعى آلية دفع المساعدات بالعملة الأجنبية، والذي كان توقف العمل به بناءً على طلب الحكومة، لكن المفوضية لم تتلق جواباً رغم مرور نحو ٣ أشهر على موعد إرسالها الكتاب.

تفاوتت الآراء بين انعكاسات الدفع بالدولار أو بالليرة الى النازحين بين الفريق الأممي الذي يدفع أساساً بالدولار ويرى أن من حق النازحين الحصول على المساعدة بقيمتها الفعلية، وبين فريق لبناني منقسم أساساً يرى أن لبنان سيفتقد الدولار النقدي الذي كان يدخل المصرف المركزي ويعاد تحويله الى الليرة على سعر صيرفة، حيث بات سعر المنصة قريباً جداً من سعر السوق الموازي، وأن الدفع بالدولار سيؤدي الى تكريس بقاء السوريين في لبنان، علماً بأن أصحاب هذا الرأي لا يجدون جدوى للبنان من صرف هذه الدولارات لأنها تُشحن فوراً الى سورياً ولا تُنفق في البلد، وبالتالي لا يستفيد منها الاقتصاد اللبناني.

وكان لافتاً أن جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء لن تتناول هذا الموضوع رغم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كان قد كشف عن عزمه على عقد جلسة لبحث هذا الملف، ما يعني أن الموضوع سيبقى معلقاً، وإن كانت آلية الدفع عادت الى العملة المحلية. لكن أوساط السرايا كشفت أن ميقاتي لم يعدل عن قراره عقد جلسة حكومية تخصّص لهذا الموضوع، وأن موعد الجلسة رهن ما سينتج عن مناقشات اللجنة الوزارية التي ستعقد اجتماعات يوم الجمعة لهذه الغاية، وذلك للتحضير أيضاً لمؤتمر بروكسيل للنزوح الذي سيشارك فيه ميقاتي.

وفي رأي مصادر سياسية مطلعة على الملف، إن لبنان لا يزال يقارب إشكالية النازحين بطريقة خاطئة لا تلامس الجوهر الحقيقي المتصل بضرورة التمسّك والتشبّث بالمطالبة بتأمين مستلزمات العودة الطوعية والآمنة، وذلك من خلال توفير المناخ التنظيمي والقانوني للجوء، وهو ما تقوم به حالياً مديرية الأمن العام، خصوصاً بعد الالتباس الذي رافق تمنّع المنظمات الأممية عن تسليم داتا المعلومات الخاصة بالنازحين الى السلطات اللبنانية.