من يبادر بـ«الطلقة الأولى» للتفجير: تل أبيب أم طهران؟

من يبادر بـ«الطلقة الأولى» للتفجير: تل أبيب أم طهران؟

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
30 ايار 2023

يسود الإعتقاد في الأوساط الديبلوماسية انّ التفاهم السعودي – الايراني لم يشمل بعد تفاصيل الوضع في لبنان وسوريا، وإن تأجّل البحث في ملفات الأزمتين، فالساحتان مفتوحتان على اكثر من خيار. وإن كانت الرياض قد استعجلت ترميم العلاقة مع دمشق، فقد جاءت «مناورة عرمتى» وتجدّد الغارات الاسرائيلية في سوريا ليفتحان الباب امام سيناريوهات جديدة، تترك المبادرة في يد كل من تل أبيب وطهران. وعليه، من منهما سيطلق الطلقة الأولى في اتجاه الآخر؟

على الرغم من مرور 80 يوماً على تفاهم 10 نيسان ما بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية المولود في بكين، لم يظهر بعد انّ من بين الملفات التي تمّ التفاهم في شأنها وطريقة مقاربة الحلول لأزماتها، قد شملت إلى اليوم الوضع في سوريا ولبنان بالطريقة التي توحي بالمشاريع المطروحة للملف اليمني، كما بالنسبة إلى القضايا العالقة في الخليج العربي، ولاسيما ما يتصل بأمن المنطقة البحرية والبرية على حدّ سواء. فلكل منهما آلية عمل انطلقت، ولها مداها الطبيعي المتفاهم في شأنه من أجل إراحة كل منهما لجهة ضمان أمنهما القومي في المحيط الجغرافي الأقرب إلى كل منهما.

وعليه، وباستثناء التفاهمات التي بوشر بتنفيذها في العراق قبل «تفاهم بكين» بالنظر إلى الدور العراقي الذي لعبه رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على مستوى الحوار المباشر بين طهران والرياض، قبل نقل الأيام الاخيرة منها إلى بكين، فأي تفاهم يعني أياً من ساحات المواجهة الأخرى بينهما قد حظي بالاهتمام عينه.

فالجميع رصد ما ناله العراق من نصيب التفاهم الثنائي. ومن أولى المؤشرات الدالة إلى ذلك، عودة المملكة بكل طاقمها الديبلوماسي والآليات الموازية المالية والسياسية والاستثمارية إلى بغداد في خريف العام الماضي. وتوالت خطوات الإنفراج قبل انطلاق ورش العمل السياسية والدستورية والأمنية المخصّصة لمعالجة أزمة اليمن، بهدف تطبيع العلاقات بين مكوناته وعشائره المختلفة، وتشكيل السلطة اليمنية الجديدة من جهة وما بينها وجارتها الوحيدة السعودية.

في موازاة هذا التقدّم، لم يظهر بعد لأي من المراقبين والديبلوماسيين الأكثر معرفة بأجواء الرياض وطهران، انّ جهداً قد بُذل حتى اليوم من اجل ان تشمل التفاهمات بينهما الملفين السوري واللبناني. فالطحشة السعودية باتجاه سوريا لا علاقة لها بمستقبل الوضع فيها، بعدما وضعت هذه المهمّة بعد عودة سوريا إلى الحضن العربي في أيدي «اللجنة العربية الخماسية» التي كُلّفت إعادة النازحين السوريين من دول الجوار السوري إلى أراضيهم، وهي عملية لا تشكّل سوى خطوة مرتبطة إلى حدّ بعيد بما يمكن القيام به وفق مبدأ «الخطوة مقابل خطوة». وهو أمر لا يمكن مقاربته بغير خريطة طريق بعيدة المدى، بعدما تمّ ربطها بالآليات الواجب اعتمادها لتطبيق القرار الصادر عن الأمم المتحدة الرقم 2254، وما يتحدث عنه من إصلاحات سياسية ودستورية في سوريا، قبل البحث في ملف العودة الذي يمكن ان يكون الخطوة التالية أو تلك المتزامنة مع إعادة إعمارها.

اما بالنسبة إلى الوضع في لبنان، فلم يظهر بعد سوى انّهما، أي طهران والرياض، قد قرّرا النأي بالنفس عمّا يجري على الساحة اللبنانية. فالتفاهم بينهما تمّ التوصل اليه في ظلّ خلو سدّة الرئاسة في لبنان منذ مطلع تشرين الثاني الماضي، بعد فشل المجلس النيابي في انتخاب الرئيس العتيد منذ ان بدأت المهلة المحدّدة دستورياً منذ الاول من ايلول الماضي، وهو امر لم يحقق حتى اليوم سوى مزيد من المماطلة والتسويف، قبل ان ينجح المجلس في القيام بما هو مطلوب منه قبل القيام بأي عمل تشريعي آخر.

وتأسيساً على ما تقدّم، يبدو لهؤلاء المراقبين، انّ الوضع في هذا الجزء من المنطقة ما زال خارج اي تفاهمات ثنائية او اوسع من ذلك، بدليل انهيار المبادرات التي أُطلقت من اجل لبنان، واحدة بعد أخرى، على وقع استمرار الوضع المأزوم في سوريا على ما هو عليه، إلى انّ عادت أجواء التوتر إلى المنطقة عقب حدثين كبيرين، أحدهما مرتبط باستئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية في اتجاه الاراضي السورية، التي أبعدت المنطقة عن اي تفاهم محتمل ناجم عن إعادة سوريا إلى الحضن العربي من جهة. وثانيهما، بعد ان رفعت «مناورة عرمتى» من أجواء التوتر في المنطقة إلى الذروة، بالنظر الى الرسائل التي حرص الحزب على إطلاقها عليها، وتفسير أهدافها المتأتية عن توقيتها وشكلها ومضمونها وأهدافها، بعد نفي اي رسالة داخلية منها في اعتبارها موجّهة إلى مستجدات المنطقة والاقليم.

وبناءً على ما تقدّم، يُفهم إصرار «حزب الله» على اعتبار انّ ما رافق المناورة من مشروع لخرق الجدار الإسمنتي الحدودي في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت شعار «سنعبر»، وهي في الوقت عينه رداً على المناورات الاسرائيلية المتلاحقة التي أُجريت في الفترة الاخيرة ما بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وقبرص، والتي تحاكي عمليات عسكرية على الأراضي اللبنانية واقتحام قرى لبنانية ومعسكرات للحزب من بين المدنيين. معطوفة على استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على مواقع الحزب والمجموعات المسلّحة الموالية لإيران، في موازاة التهديد المستمر بالقيام بعمليات عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية على اراضيها.

عند هذه الاعتبارات الاقليمية والدولية التي تتجاوز أحداث الداخل في لبنان وسوريا، قرأ المراقبون الديبلوماسيون بأنفسهم ما يجري في المنطقة، بما يؤكّد بقاءها خارج أي تفاهمات يسعى الجميع إلى القيام بها على قاعدة «تصفير الأزمات» في المنطقة التي سعت اليها المملكة العربية السعودية من خلال القمة العربية «الجامعة» التي لم تستثن احداً من دولها، ومن بينهم إحضار «سوريا القديمة ـ الجديدة»، بما تركته من ردّات فعل عربية ايجابية واخرى سلبية مكبوتة، لو بنحو محدود جداً، ودولية رافضة ترافقت مع ردّات فعل مماثلة تراوحت بين العتب الكبير لدعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليها، والرفض الذي عبّرت عنه دول صديقة للرياض وهدّدت بفرض مزيد من العقوبات على سوريا لا التخفيف منها.

وانتهى المراقبون الديبلوماسيون إلى القول، إنّ منطقة شرق المتوسط لن تعرف في أي وقت قريب ما ستعرفه دول اخرى من أمن واستقرار. فالعمليات الاسرائيلية قد تتجاوز الاراضي السورية في اتجاه العمق الايراني، إن نجحت تل ابيب في نيل الضوء الأخضر من واشنطن، فيما يهدّد «حزب الله» بإمكان القيام بأي عمل عسكري تجاه اسرائيل، على قاعدة ضمّ ساحة الجنوب إلى مشروع «وحدة الساحات» في دول الطوق الإسرائيلي. ليبقى السؤال المطروح: من سيتولّى المبادرة بالطلقة الاولى لتفجير الوضع في اتجاه مثل هذا السيناريو الرهيب؟ وهل ستسبق حكومة تل أبيب غريمتها بإطلاقها من أراضيها في اتجاه ايران؟ ام انّ طهران ستكون السبّاقة في اتجاه اسرائيل عبر بوابة الجنوب اللبناني؟.