لبنان لتحفيز التواصل مجدّداً مع واشنطن

لبنان لتحفيز التواصل مجدّداً مع واشنطن

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
5 حزيران 2023

في ظل تطلع الى ما كانت ستسفر عنه زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق لإيران لا على صعيد إعادة التمهيد لرأب العلاقات بين القاهرة وطهران في ظل معلومات تحدثت عن تحرّك مسقط مجدداً على خط الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، لفت إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الأسبوع الماضي أن بلاده، رغم العقبات التي تحيط بالملف النووي الإيراني، أجرت محادثات غير رسمية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي عبر وسطاء. وأشار الديبلوماسي الإيراني الى دول الاتحاد الأوروبي وأبواب الحوار المستمرة فيما نقلت صحيفة “الفايننشال تايمز” عن مسؤولين أميركيين أن المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية روبرت مالي التقى في نيويورك مرات عدة خلال الأيام الأخيرة، مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني.

حين اقتربت نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون كان الرهان لا يزال قائماً على استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي بحيث إن المحور الموالي لهذه الاخيرة كان يعوّل على استعادة تجربة الاتفاق في 2015 الذي أدى الى التسليم أو بالاحرى الى ترك إيران ترتاح في نفوذها في دول المنطقة من دون مناقشة.

وهذا كان منتظراً بالنسبة الى لبنان وسوريا على حد سواء. ومع تعذر العودة الى طاولة المفاوضات بين البلدين في الاشهر الاخيرة، باتت البوصلة ضائعة في الوقت الذي أتى فيه الخرق من مكان آخر هو الاتفاق السعودي الإيراني الذي أعلن عنه من بكين في 10 آذار الماضي. هذا الاتفاق ترجمته عملانياً قوى متعدّدة تدور في المحور الإيراني على أنه تسليم سعودي بالواقع في المنطقة وإقرار بالنفوذ الإيراني والتعايش معه. وهذا أعطى دفعاً قوياً لاندفاعة الثنائي الشيعي في دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على قاعدة عقد تفاهم مع فرنسا على هذا الأمر على أن تسوّق ذلك لدى المملكة السعودية للموافقة عليه وأخذ طريقه الى التنفيذ.

أمران أساسيان تعتقد مصادر ديبلوماسية وسياسية مراقبة أنهما لم يسمحا بحلحلة خارجية تترجم داخلياً في انتظار تسوية أو توافق ما. فرغم الكلام على تطبيع علاقات إيران مع السعودية في المنطقة، فإن هذه الأخيرة، بحسب معطيات تبني عليها هذه المصادر ، لجمت بعض الاندفاع الذي رفع الآمال في الشهرين الأخيرين. يقول بعض هؤلاء إن السعودية التي ذهبت في اتجاه الاتفاق مع إيران برعاية الصين، مع ما يمكن أن يثيره ذلك من حساسيات معينة لدى الإدارة الأميركية، والتي ذهبت في اتجاه معاكس للولايات المتحدة في موضوع إعادة التطبيع مع نظام بشار الأسد، قد تكون خففت بعض الشيء من وتيرة ما يمكن أن يعتبره أو يسجّله مراقبون في إطار إظهار تيار أو اتجاه ضد الولايات المتحدة ولا سيما في ظل الاستقلالية الكبيرة الى حد التناقض مع الولايات المتحدة في ملفات ومسائل عدة.

وتفيد المعطيات المتوافرة لدى هذه المصادر بأنه كان هناك انزعاج إيراني من تخفيف السعودية اندفاعتها كما من عدم تناغمها مع الجهود الفرنسية حيال المعادلة التي اقترحتها باريس للاستحقاقات الدستورية في لبنان، علماً بأن هناك أسباباً أخرى قد ترتبط بهذه الاندفاعة في ظل بطء الانتقال الى الحل في اليمن على رغم ما سلّفته السعودية في هذا الإطار.

والأمر الآخر الذي على ضوئه يُعتقد أن لبنان لا يزال يشكل ساحة مناسبة ضرورية وحارة لتوجيه الرسائل، يتصل بالاتصالات المتجدّدة حول الملف النووي. لم تُفهم المناورة الأخيرة التي قام بها “حزب الله” في الجنوب وتوقيتها إلا في سياق معطى الساحة التي يوظفها الحزب لأهداف إقليمية. كما لفت هذا التعويل من جانب الثنائي الشيعي على فرنسا، وهو الأكثر انتقاداً لا بل تخويناً للآخرين لما يعتبره أو يراه توريطاً خارجياً في الشأن اللبناني.

وهذا التعويل حصل على قاعدة تنفيذ التفاهم الذي تم مع فرنسا وبالشراكة معها من جانب الثنائي، باعتبار أن باريس لا تزال على رغم كل التطورات ومن بينها اتفاق القوى المعارضة مع التيار العوني على مرشح واحد وزيارة البطريرك الماروني لباريس ولقائه الرئيس إيمانويل ماكرون متمسكة بترشيح فرنجية وفق ما أصر رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أيام قليلة، فيما يُرمى مرشح القوى المعارضة والتيار العوني الوزير السابق جهاد أزعور بتهمة الخضوع للتوجهات الأميركية. واستحضار الولايات المتحدة في هذا السياق على رغم اعتبار بري سابقاً أن الولايات المتحدة موافقة على فرنجية للرئاسة، على رغم أنها لم توافق كما لم ترفض ذلك، يندرج في إطار التجاذب المستخدم في الداخل اللبناني في إطار عودة الاتصالات الأميركية الإيرانية والشروط المرتبطة بها.

وإن كانت التسوية التي كان طرفاها الثنائي الشيعي على قاعدة ترشيح فرنجية، الذي يرفض التراجع عن دعمه، فإن التسوية البديلة في ظل التمهل السعودي كذلك هي ما ينتظر الثنائي أن تعرض عليه على قاعدة أن المظلة الأميركية لذلك تبقى أكثر أهمية وهي المطلوبة في الحوار الإيراني حول الملف النووي. وهناك عوامل داخلية محفزة انطلاقاً من الفراغ لا في موقع رئاسة الجمهورية فحسب بل في موقع حاكمية المصرف المركزي، وهو موقع على درجة كبيرة من الخطورة والمسؤولية بحيث لا يمكن تركه للشغور كما الرئاسة الأولى والى أين يوصل ذلك لبنان في ظل تسعير الخلاف الطائفي لا السياسي فحسب.

وبين هذين الحدين يسري مد وجزر بإزاء مدى الإصرار الأميركي على إنهاء الشغور الرئاسي وعدم التأخر في ذلك أكثر ممّا حصل حتى الآن نظراً للمخاطر أو الكلفة العالية جداً لهذه المخاطر إذا استمر الانهيار في غياب إدارة موثوق بها في المصرف المركزي. ولذلك هناك توظيف مهم لهذا المعطى فيما لا يزال الرهان كبيراً على الدينامية الحالية لإنجاز شيء قريباً.