خاص – هل فعلاً بدأت الأزمة المالية بالانحسار؟

خاص – هل فعلاً بدأت الأزمة المالية بالانحسار؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
10 تموز 2023

يسود انطباع لدى اللبنانيين منذ فترة أن الأزمة المالية والنقدية قد استقرت، لا بل أخذت طريقها الى الانحسار. ويستندون في ذلك الى مؤشرات تبدو في الظاهر إيجابية، كمثل استقرار سعر صرف الدولار، والدولرة شبه الشاملة التي تسيطر على السوق، وتحسن بعض المداخيل، واكتظاظ المطاعم وازدهار الحركة السياحية.

ولكن، هل هذه الظواهر هي مؤشرات واقعية الى تحسن فعليّ وحقيقيّ، أم أنها مجرد فقاعة موقتة ومصطنعة، لن تلبث أن تختفي ليعود الانهيار أقوى مما كان عليه؟

في علم الاقتصاد والمال، الأرقام والمعطيات العلمية هي وحدها التي تتكلم، ووحدها تعطي الصورة الحقيقية للواقع.

عندما كانت الليرة مستقرة لسنوات طويلة على سعر 1500 للدولار الواحد، وكانت الودائع في المصارف تزداد وموظفو القطاع العام يفرحون بزيادة رواتبهم، كان بركان الأزمة تحت الرماد يستعد للانفجار الكبير. صدّق اللبنانيون أن الليرة بألف خير وأن موجودات مصرف لبنان بالعملة الصعبة بألف خير، إلى أن بدأت الليرة تنهار في أواخر العام 2019. وتبيّن أن كل التطمينات كانت كاذبة، وأن أموال الناس وجنى عمرهم في المصارف قد تبخرت. و”توّج” كل ذلك باعلان حكومة حسان دياب في آذار 2020 الافلاس والتخلف عن سداد الديون السيادية.

وعليه، فإن ما يظهر منذ شهر على أنه بوادر ايجابية لبداية انحسار الأزمة يحتاج إلى تمحيص وتدقيق، كي لا يقع اللبنانيون في الفخ مرّة أخرى.

أول مظاهر “التحسن” هو استقرار سعر صرف الدولار عند ما يقلّ عن 95 ألف ليرة منذ أوائل أيار الماضي، ولكن من دون أن يطرأ أي عامل مالي أو اقتصادي يدفع في هذا الاتجاه. وما حصل هو فقط ارادة مصرف لبنان تثبيت الليرة في هذه الفترة التي تتزامن مع قرب انتهاء ولاية رياض سلامة وما يحيط بها من تجاذبات سياسية ودعاوى قضائية أوروبية.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي لموقع beirut24  إن “الأزمة تتفاقم على رغم تراجع سعر صرف الليرة. ويقوم مصرف لبنان حاليا بتثبيت سعر الصرف ولكن بكلفة يومية تتراوح ما بين 130 و150 مليون دولار على صيرفة. وكل هذا يجري على حساب ما تبقى من رصيد أموال المودعين”. ويعتبر أن “سلامة راكم ما يقارب الـ54 مليار دولار جديدة كعجز على الخزينة بسبب كميات الليرات التي تم طبعها حتى اليوم”. ويصف يشوعي الوضع ” وكأن هناك عملاقا يمثل الليرة من حيث حجم العملة الورقية، في مقابل قزم يمثل حجم الكتلة بالدولار. وهذا يعني أن الاستقرار الحالي لن يدوم.

ولكن في المقابل، ثمّة أرقام تشير إلى دخول ما يقارب الـ11 مليار دولار، هي تحويلات المغتربين وما ينفقه هؤلاء من العملة الصعبة أثناء وجودهم في بلدهم الأم. وربما تكون هذه التحويلات هي الباب الأهم الذي تدخل منه الدولارات. ومن هنا الحملات لتشجيع السياحة في لبنان والتي أعطت نتائج جيدة.

ولكن، هل هذا العامل كاف لوحده لإحداث تحسن في الاقتصاد؟

بالطبع لا، يجيب خبراء اقتصاديون. فليس هناك أي ضمانات لاستمرار هذه التحويلات، خصوصا أن لا خطة للاستفادة منها في شكل مستدام ومنتج. فلا استثمارات خارجية ولا قدرة على زيادة الصادرات في شكل ملموس، بينما الاستيراد سيعود الى الارتفاع مع دخول الدولارات وزيادة الاستهلاك، ما يعني البقاء في الدوّامة عينها: لا مصدر ثابتا وكافيا لاستجلاب العملة الصعبة الى لبنان، وهذا سيؤدي حتما الى تراجع الليرة من جديد.

إلى ذلك، لاحظ الخبراء في الأشهر الماضية تحسناً في ميزان المدفوعات يعود إلى عوامل عدّة آنية، منها انخفاض الاستيراد في مرحلة ما بسبب الركود وتراجع القدرة الشرائية. كما حصل لبنان في أيلول 2021 على حصته من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي والبالغة 1.1 مليار دولار. ولكن هذا المبلغ لم يستخدم في إطار خطة إنقاذية، إنما ذهب لتغطية مدفوعات ومستحقات.

واستناداً الى ذلك، يؤكد الدكتور يشوعي أنه ” لا يمكن بناء اقتصاد في غياب المصارف وفي غياب القروض والاستثمارات والخطة الاقتصادية الشاملة”.

فعلى رغم مرور ما يقارب الأربع سنوات على الأزمة، لم يتم اتخاذ أي قرار يقود في اتجاه الحل. فلا إعادة هيكلة المصارف حصلت، ولا قانون الكابيتال كونترول أقر ولا سعر العملة تم توحيده، وطبعاً لم تجر أي اصلاحات، وبقيت الموازنات ارقاما غير واقعية.

ويعتبر الخبراء أنه كان يمكن للتخلف عن السداد أن تكون آثاره السلبية أقل بكثير، لو وضعت خطة إنقاذ سريعة. ولكن ليس هناك أي ارادة سياسية للحل، خصوصاً أن هناك جهات نافذة تستفيد من الانهيار ولا تناسبها الاصلاحات.

كل ذلك يتزامن مع اقتراب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، إذ هناك تخوف من أن يشكل هذا الاستحقاق محطة لانفجار مالي جديد يفاقم الأزمة، خصوصاً إذا وقعت السلطة المالية الأعلى في الفراغ أو في وضع غير قانوني يكبّل عملها.

في الخلاصة، ليس استقرار سعر صرف الليرة حاليا دليل عافية، بل هو استمرار لسياسة استنزاف الاحتياطي. ودخول بعض الدولارات الى البلد هو امر موقت وغير مستدام، لأن الفئات التي تستفيد منه محدودة. أما الحديث عن زيادة رواتب القطاع العام فيذكّر بسلسلة الرتب والرواتب التي شكلت الضربة القاضية للخزينة.

لا حلول مجتزأة تنفع مع الأزمة، وسياسة تقطيع الوقت ستنتهي صلاحيتها. وفي غياب خطة إنقاذ شاملة، تبقى البلاد إلى أجل غير مسمّى في عين العاصفة.