
خاص – مرحلة ما بعد رياض سلامة: هل الانقاذ ما زال ممكناً؟
تسود مخاوف وتكهنات كثيرة عمّا يمكن ان يكون عليه الوضع المالي بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فالرجل الذي استمر على رأس الحاكمية لمدة 30 عاما طبع ولايته بسياسات نقدية يصعب على من يخلفه التعامل معها. فقد شبك علاقات معقدة مع الطبقة السياسية، وخدم مصالحها ومصالح المتنفذين بلا خطأ. صاحب مقولة “الليرة بألف خير” الذي ثبّت سعر الصرف لسنوات، ها هو يخرج الان على وقع واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية وانهيار غير مسبوق للعملة واحتياطي شبه مستنفد، وفي حقه مذكرة توقيف دولية وعدد من الدعاوى.
فماذا يمكن لخلفه أن يفعل، وهو سيكون مكبّلاً بتعاميم وديون وانهيار للعملة وسياسة نقدية خبرت كل أنواع الهندسات المالية غير المألوفة، اضافة الى انهيار القطاع المصرفي؟
وماذا عن نوابه الاربعة الذين تشاركوا معه القرار؟ هل كانوا فقط يبصمون على قراراته أم أنهم يتحملون المسؤولية معه؟ وهل سيعملون بالذهنية عينها ام يتبعون نهجا مغايرا؟
القلق الأبرز ما بعد سلامة هو على وضع الليرة. وهناك مخاوف كبيرة من عودة الانهيار في العملة الوطنية مع بداية شهر آب. فالاستقرار الحالي موقت ومصطنع أراده سلامة قبل رحيله، ولكنه يكلف الاحتياطي خسائر يومية بالملايين. فهل يستمر خلفه في سياسة التثبيت المعتمدة منذ أشهر قليلة، ومن أين يأتي بالدولارات للاستمرار في التدخل في السوق؟
يقول الخبراء أن الليرة ستعود الى الهبوط ما لم تنخفض الكتلة بالليرة في مقابل الكتلة بالدولار، وما لم تدخل الى البلاد عملة صعبة مستدامة ناتجة عن الاستثمارات وليس فقط من اموال المغتربين ، وهذا لا يتحقق من دون خطة مع صندوق النقد الدولي.
صحيح أن حاكم المركزي سيتغير، ولكن المنظومة السياسية والمالية التي غطّته على مدى سنوات باقية. لذا فإن الحل الشامل يتحمّل مسؤوليته الجميع وليس فقط مصرف لبنان. وهناك حاجة الى تغيير كبير في السياسة النقدية المعتمدة والتي أدت في النهاية الى وقوع الكارثة. وهذا الأمر يحتاج الى قرار سياسي يتشارك فيه الجميع، لأن سياسة المصرف المركزي هي عملياً السياسة المالية للدولة. وما لم تتبنّ الحكومة خطة اقتصادية شاملة، لا يمكن للسياسة النقدية وحدها ان تنجح. فالأطراف إياها، وعلى رأسها حزب الله، والتي رفضت خطة مع صندوق النقد الدولي، من الصعب أن تبدّل موقفها، لأن الخضوع لشروط الصندوق يعني اصلاحات، والاصلاحات تعني فقدان قوى السلطة السيطرة على المال.
كما أن الخطة تقتضي توحيد سعر الصرف، بما يعني الغاء منصة صيرفة كما هي الآن، على أن يصبح هناك سعر واحد للدولار. ولكن صيرفة تنقصها الشفافية، وهي صبّت في مصلحة فئات محددة من التجار وأصحاب النفوذ الذين حققوا أرباحا غير شرعية بفعل فرق السعر بين صيرفة والسوق الموازية.
وسيكون على من يخلف سلامة أن يرفع السرية والغموض عما يمتلكه المصرف وعن حجم الخسائر، وأن يعلن للشعب اللبناني الأرقام الحقيقية للاحتياطي، وأن يكشف عن الموجودات بالذهب، اضافة الى التعامل مع موضوع اعادة هيكلة المصارف. وهنا تبدأ التعقيدات الكثيرة، فهناك المصارف التي يجب دمجها وتلك التي ستعلن افلاسها، وكيفية توزيع الخسائر على القطاع المصرفي. يضاف الى ذلك رغبة جهات سياسية في فتح مصارف جديدة. والسؤال الأكبر ماذا سيحل بأموال المودعين وكيف ستتم اعادتها؟
الانهيار كبير لدرجة أنه يشمل مختلف القطاعات تقريبا. وطريق الحل تفرض تغييرات عميقة في الاقتصاد اللبناني والسياسة المالية. وهذا ما لا يمكن لمصرف لبنان وحده أن يقوم به.
