خاص – مشروع قانون حماية الودائع أم نهاية الودائع وأعفاء اللصوص ؟

خاص – مشروع قانون حماية الودائع أم نهاية الودائع وأعفاء اللصوص ؟

الكاتب: د. عماد عكوش | المصدر: Beirut24
27 تموز 2023

كتيب الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش لموقع Beirut24
بدأ مشروع القانون وفي مادته الأولى التذكير بما ينص عليه قانون النقد والتسليف ، وقانون التجارة ، من حماية للودائع ، كما يؤكد على الحكومة اللبنانية ، مصرف لبنان، والمصارف التجارية عدم المس بالودائع أو أجراء أي تصرف أو اتخاذ أي قرار بالاقتطاع منها أو الحسم من قيمتها أو سدادها بغير عملتها ، لكن لم يذكر المشروع في هذه المادة مصير الودائع التي ذابت نتيجة الاقتطاع منها خلال أكثر من ثلاث سنوات ، ولم تتحدث عن الخسارة التي تعرض لها المودعون نتيجة للحسومات الكبيرة التي تمت سابقًا ولا زالت مستمرة لغاية اليوم وفقًا للتعاميم السارية المفعول.
أخطر ما في هذا المشروع انه في مادته الثالثة يحمل الدولة اللبنانية مسؤولية أيفاء ألتزاماتها لمصرف لبنان والمصارف التجارية حتى تتمكن المصارف التجارية أعادة الودائع لأصحابها ، لقد حول هذا المشروع كل الودائع الى ديون على الدولة اللبنانية ، وهذا الامر يبرئ المصارف التجارية ، ومصرف لبنان من كل الشبهات التي تم ارتكابها سابقًا والتي أدت الى خلق فجوة لدى مصرف لبنان وفقًا للبيانات التي ينشرها مصرف لبنان ، تتجاوز قيمتها اليوم 57 مليار دولار أميريكي ، فهل يصح أعطاء مصرف لبنان والمصارف التجارية هذه البراءة وهي التي استفادت من الهندسات المالية ، ومن القروض بالدولار الاميريكي والتي تمت أعادتها بالليرة وبالسعر الرسمي أي 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد ، وهي التي لا زالت تستفيد من الفوائد على توظيفاتها لدى مصرف لبنان في الوقت التي لا تدفع هذه المصارف أية فوائد للمودعين . كان المطلوب من هذا المشروع ان يؤكد على التحقيق المفترض ان يتم لتحديد أين ذهبت الفجوة التي احدثها مصرف لبنان وكيف تم صرف هذه الاموال .
تحدث هذا المشروع عن تشكيل هيئة مستقلة للمراقبة والاشراف على عمل الصندوق الذي يتم تكوينه على ان يتم تعيين أعضاء الهية من قبل مجلس الوزراء ويقتصر دور الهيئة على ادارة اصول الدولة وليس بيعها . أن عدم وضع معايير مسبقة لعملية تعيين الهيئة يجعلها عرضة للتحاصص ككل التعيينات التي تحدث في لبنان . كما تنشئ هيئة أخرى بنفس الوظائف ولا نعلم ما هي العبرة من تكوين هيئتين بنفس الوظيفة وهي ادارة القطاع العام ، تفعيله ، استثماره ، المراقبة والاشراف على الاملاك العامة والخاصة للدولة .
ان مشروع القانون تقصد التغاضي عن العمل الغير مهني للهيئات والمجالس التي يضمها مصرف لبنان ومنها ، مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان ، لجنة الرقابة على المصارف ، هيئة التحقيق الخاصة ، والمجلس المركزي ، ان تكوين هذه الهيئات والمجالس واللجان يتم بطريقة ملتوية وغير مهنية بحيث تبتعد كثيرا” عن المهنية والاستقلالية والمفترض ان تتمتع بها ، كما ان عملية ربط معظمها وسيطرة الحاكم على معظمها يجعل منها لزوم ما لا يلزم .
لقد اكد هذا المشروع على فتح حساب لدى مصرف لبنان تودع به الايرادات الناتجة عن استثمار الاملاك العامة والمؤسسات العامة ذات الطابع الاستثماري اضافة الى جزء من الواردات الغازية والنفطية على ان يتم توزيعها عاى المصارف وفق ألية ونسب دين كل مصرف ، لكنه في نفس الوقت لم يحدد كيف ستقوم المصارف برد الودائع بعد تسلمها لهذه الاموال من الهيئة ومن مصرف لبنان .
لم يتحدث هذا المشروع عن الموجودات التي يملكها مصرف لبنان اليوم ولماذا يملكها ، وهل ملكيتها تتعارض مع الماد 111 من قانون النقد والتسليف ، كما لم يتحدث المشروع عن الموجودات التي كان يملها مصرف لبنان وتم التخلي عنها وكيف تخلى عنها وما المقابل المادي الذي حصل عليه مقابل هذا التخلي .
كما لم يتحدث هذا المشروع عن الموجودات التي كانت تملكها المصارف وتم التخلي عنها خلال الازمة سواء كانت موجودات خارجية او موجودات محلية من عقارات ومساهمات ولمصلحة من تم التنازل عنها أو بيعها .
في المادة الثامنة عشرة من المشروع القانون يتحدث عن قيام لجنة الرقابة على المصارف بعمليات تجارة الشيكات التي قام بها مقربون من المصارف من تاريخ 17 تشرين اول 2019 ، كما أردف في المادة التاسعة عشرة أنه تبطل كل عمليات التسديد للديون التجارية وغير التجارية المتوجبة للمصارف بالدولار والتي جرى تسديدها بالليرة على سعر 1500 ليرة ، هذه العملية المعقدة تحتاج الى الكثير من الامكانات والى الكثير من الدراسة ، وبرأيي لا يمكن تطبيق هذه القاعدة على كل الديون لذلك لا بد من تحديد الديون الممكن تطبيق ذلك عليها ، سواء لناحية القيمة ، او لناحية النوعية .
أما بالنسبة للمادة 23 فهي تعفي المصارف من الافلاس الاحتيالي وبالتالي تطبق عليه في حال عدم قدرتها على الالتزام بموجبات هذا المشروع أحكام القانون 2/67 الصادر بتاريخ 16/1/1967 ويحال الى التصفية ، بينما المطلوب هو التأكد من ان المصرف لم يقم بالخطوات التي أدت الى هذا الواقع وبشكل ربما مقصود للهروب من المسؤولية .
بعد ان كنا نتحدث عن ضمان مئة الف دولار كحد أدنى بنفس العملة ، أتى هذا المشروع ليتحدث في مادته التاسعة والعشرون عن خمسين الف دولار أميريكي على ان تسدد خلال مهلة خمس سنوات من تاريخ صدور القانون ، وبعد ان كان يتحدث التعميم 154 عن أعادة جزء من التحويلات التي حصلت بعد 1/7/2017 أتى هذا المشروع ليتحدث عن التحولات التي قام بها أعضاء مجالس الادارة ، كبار المساهمون ، أعضاء مجالس الادارة ، مفوضي المراقبة ، وكبار المدراء التنفيذيين فقط بأعادة هذه التحويلات وأعفى الطبقة السياسية من ذلك .خلاصة الامر ، المشروع حتى لا نكون سلبيين يحتاج الى الكثير من التعديل للحفاظ على جوهر ما يهدف أليه وهو أعادة تكوين الودائع ، وأعادة تفعيل القطاع المصرفي ، وأعادة بعض ما تم تهريبه للخارج ، ودون تحقيق هذه التعديلات لن نصل الى أي مكان .