خاص – كوع الكحالة: قصّة منعطف خطر

خاص – كوع الكحالة: قصّة منعطف خطر

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
10 آب 2023

هو طريق شديد الانعطاف وشديد الانحدار على طريق بيروت دمشق الدولي عند نقطة الكحّالة في قضاء عاليه. وهذه المواصفات التي تتحكم بها الطبيعة الجبلية للمنطقة جعلت التكويع محفوفاً بالخطر. فكم من شاحنة وسيارة انقلبت وكم من ضحايا سقطوا.
وإذا ما أضيف الى هذه المواصفات وقوع الكحالة على طريق الشام، وأيضاً عند ما كان يعرف بـ “خطوط التماس” اثناء الحرب اللبنانية، فليس من المستغرب أن تصبح البلدة أحد رموز “المقاومة اللبنانية”، تماماً كعين الرمانة والأشرفية وزحلة.
قصة كوع الكحالة تعود الى أواخر الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان أهالي البلدة من الشمعونيين والكتائبيين يوقفون العديد من الوفود المنتقلة بين بيروت ودمشق أثناء مرحلة الناصرية والجمهورية العربية المتحدة.
ولكن هذا الكوع بدأ يأخذ رمزيته أكثر فأكثر منذ منتصف الستينات، وخصوصا بعد توقيع اتفاق القاهرة الذي سمح بالعمل الفلسطيني المسلح. ويقال إن الأحداث التي وقعت في المكان في آذار من العام 1970 كانت أحد المؤشرات الى انفجار حرب العام 1975 بعد حادثة بوسطة عين الرمانة.
ففي 25 آذار من العام 1970، وبينما كان موكب ينقل نعش سعيد غواش من الكفاح الفلسطيني المسلح الذي قتل في اشتباك مسلح، من مخيم تل الزعتر الى دمشق، حصل اشتباك بين الموكب والأهالي. وجاء في بيان لوزارة الداخلية أنه “حوالى الثامنة صباحا وقع حادث مؤسف في بلدة الكحّالة نتيجة لالتباس حصل عندما وصل الى البلدة رتل من سيارات الفلسطينيين، متوجهين الى سوريا، يواكبون جثمان أحد رفاقهم…. ما أدى الى حصول اشتباك بينهم وبين بعض أهالي البلدة، اسفر عن وقوع قتيلين وجريحين من الفلسطينييين”. وجاء في بيان ثانٍ أن “حادثاً آخر وقع….ففي الواحدة والنصف، وبينما كان بعض الفلسطينيين يجتازون البلدة، حصل اشتباك أسفر عن مقتل ستة فلسطينيين واصابة 12 بجروح”.
وتمددت الاشتباكات الى مناطق الدكوانة والمكلس ومخيم تل الزعتر والجوار. وإثر ذلك، تمّ اختطاف الشيخ بشير الجميل عند أحد الحواجز الفلسطينية، قبل أن تجري اتصالات ويتدخل كمال جنبلاط لإطلاقه.
ولكن، كان أهالي الكحالة، كما غيرهم من المسيحيين اللبنانيين يدعمون القضية الفلسطينية، ولكنهم يرفضون انتشار السلاح الفلسطيني والاستفزازات التي كان يتسبب بها. ففي العام 1968 مثلاً شهد كوع الكحالة استقبالًا أقامه الأهالي لموكب تشييع اللبناني خليل عز الدين الجمل، وهو أول شهيد لبناني في سبيل القضية الفلسطينية. وقتل في ما عرف بمعركة تل الاربعين في الأردن.
وفي الحرب اللبنانية شكّلت الكحالة “خط تماس” على تخوم الجبل، وشهدت أقسى المعارك كغيرها من المناطق اللبنانية. إلا أن معركة 1976 كرّست البلدة كخط دفاع أساسي عن المناطق المسيحية. فقد زجّ الفلسطينيون و”جيش لبنان العربي” بأعداد كبيرة من المسلحين، إضافة الى المدرعات والآليات، بهدف السيطرة على البلدة التي تعرضت لوابل من القصف الكثيف. إلا أن الأهالي بمعاونة الأحزاب المسيحية صدّوا الهجوم، فصمدت البلدة. وكانت تلك معركة مفصلية في صمود “المناطق الشرقية” آنذاك.
أما في مرحلة ما بعد الحرب، فتابعت الكحالة دورها، وظلّ كوعها محور أحداث مفصلية. وهو شكل نقطة انطلاق لأعمال القمع التي حصلت على أيدي النظام الأمني اللبناني السوري في 7 آب 2001. حينها كان البطريرك الراحل مار نصر لله بطرس صفير عائدا من زيارته التاريخية للجبل. وعند وصوله الى كوع الكحالة رفع الأهالي يافطات تندد بالرئيس السابق اميل لحود وبالنظام الأمني. فانطلقت عملية القمع والاعتقالات التي عرفت بـ 7 آب.
وبعدما شهد كوع الكحالة في العام 1990 دخول القوات السورية الى المناطق الشرقية، عاد ليشهد بعد 15 عاماً مرورا معاكسا لآليات القوات السورية، وهي تنسحب من لبنان عبر طريق الشام إثر الاحتجاجات التي حصلت بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
واليوم أيضاً، يبقى كوع الكحالة طريقاً للقوافل، ومنها قوافل “حزب الله” التي تنقل أسلحة عبر طريق دمشق. وبما أن المنعطف خطر، انقلبت شاحنة السلاح، واستعيدت صور لأحداث سابقة. وكأن قدر هذا الكوع أن يبقى شاهداً على كل ما يمرّ عبر انعطافه القاسي.