خاص – الشرق الأوسط بين طريق الحرير والممرّ الهندي

خاص – الشرق الأوسط بين طريق الحرير والممرّ الهندي

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
14 أيلول 2023

اليوم يُرسم فعلياً الشرقُ الأوسط الجديد على خطوط الطرق الاقتصادية الضخمة التي يبنيها كل من الغرب والشرق في إطار المنافسة القوية بين القطبين الأساسيين، أي الصين والولايات المتحدة. وكل هذه الطرق تمر عبر الخليج والبحر المتوسط لتربط آسيا بكل من أوروبا وأفريقيا. وسيكون للنشاط التجاري الكبير ونقل التكنولوجيا والوقود على طول هذه الطرق أن يغيّرا وجه المنطقة اقتصادياً وسياسياً.

أطلقت الصين في العام 2013 ما يعرف باسم”الحزام والطريق”، على أنقاض طريق الحرير القديم. ويهدف المشروع العملاق إلى ربط الصين بالقارة الأوروبية وأفريقيا، عبر طرق برية وبحرية، والدفع باستثمارات بمليارات الدولارات، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية. وتقول بكين إن أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية ستوقع اتفاق تعاون حول طريق الحرير خلال السنوات المقبلة. وتقدم الصين قروضا بمليارات الدولارات للدول التي تمر بها الطريق من اجل تحسين بنيتها التحتية. وهي تريد تصدير الانتاج الصناعي الفائض لديها، وتوفير طريق أكثر سرعة وأماناً لوارداتها النفطية من الشرق الأوسط.

في المقابل، أُعلن على هامش قمة العشرين التي انعقدت قبل أيام في نيودلهي اطلاق “الممر الاقتصادي ما بين الهند- أوروبا عبر الشرق الأوسط”. ينطلق الممر من الهند بحراً إلى الإمارات، ثمّ برّاً إلى السعودية، ومنها إلى الأردن وإسرائيل، ثمّ بحراّ إلى اليونان وبراّ إلى أوروبا. وتعتبر الولايات المتحدة هي الطرف الراعي والمستثمر في هذا المشروع، بينما ستشارك أوروبا عبر خطة خاصة بها تهدف الى تمويل البنى التحتية في الاقتصادات الناشئة والدول النامية بقيمة تصل إلى 300 مليون يورو حتى العام 2027. وسيسهم المشروع في تطوير البنى التحتية وربط الموانئ ومدّ خطوط أنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين من أجل تعزيز أمن إمدادات الطاقة.

وقد تقرر إنشاء الممر الهندي في قمة دول العشرين العام الماضي. وهو بلا شك يهدف إلى مواجهة المشروع الصيني العملاق لطريق الحرير، بحيث تطمح واشنطن إلى الاعتماد على حلفائها في الشرق الأوسط للحدّ من صعود الصين. كما أن أوروبا ستحصد منه فائدة كبرى، خصوصاً بعد التهديدات التي تعرضت لها طرق المؤن والإمداد بالغاز بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

ولأن الطريقين الصيني والهندي يمران عبر الشرق الأوسط والبحر المتوسط، فإن ذلك سينعكس حركة اقتصادية هائلة، وبالتالي سيترك أيضاً تداعيات في السياسة الإقليمية والدولية.

وتُعتبر الامارات العربية والمملكة السعودية الدولتين الخليجيتين المحوريتين على طرق القوافل. فهما  مشاركتان في كل من طريق الحرير والممر الهندي في آنٍ واحد. وهما بالتالي تحصدان فائدة على الخطّين. وإذا كانت الرياض قد فتحت على الصين مؤخراً، فهذا لا يعني أن علاقتها المتراجعة مع واشنطن قد وصلت إلى طريق مقفل. على العكس من ذلك، فهي تحاول أن تجد توازناً بين الحلفاء القدامى والجدد في عالم غير أحادي القطب. وهي بذلك تضع نفسها مع الامارات كشريكين اقتصاديين أساسيين مع الدول الكبرى في العالم. ومن الطبيعي أن هذا يعبّد الطريق في شكل أكبر لتنفيذ المشروع السعودي الرائد في نيوم.

أما اسرائيل، فقد وصفت إعلان انطلاق الممر الهندي بأنه يشكل حدثاً تاريخياً. وهذا بديهي طالما أن الموانئ الاسرائيلية ستكون صلة الوصل لحركة التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا. كما أنّ سكة حديد ستربط عملياً بين اسرائيل والسعودية عبر الأردن، بما يشكل في الواقع تطبيعا اقتصادياً، في الوقت الذي قد يتأجل فيه التطبيع السياسي بين اسرائيل والسعودية والذي تعمل عليه الولايات المتحدة، بعد التطبيع الذي حصل بين اسرائيل والامارات.

وسيكون للتطبيع الاقتصادي انعكاساته على العلاقات بين دول المنطقة. فالازدهار الاقتصادي والتجاري يحتاج إلى استقرار أمني وسياسي. وهذا يعني إنهاء بؤر التوتر القائمة في المنطقة، ومن بينها يأتي تحسين العلاقة بين ايران والسعودية ووقف حرب اليمن.

أما لبنان، فلم يجد له درباً بين كل هذه الطرق التي ستربط  ما بين القارات الثلاث. ومرفأ بيروت الذي كان مؤهلاً ليكون هو صلة الوصل بين الشرق والغرب تمّ تفجيره، واستُبدل  بميناء حيفا. فلبنان سيفوّت هذه الفرصة الكبيرة، في وقت يعاني فيه إحدى أكبر الأزمات الاقتصادية في العالم. ولكن سياسات حكامه الفاسدة وتحكم سلاح “حزب الله” بالقرار جعلته متروكا على الهامش.

صحيح أن مشاريع طرق المواصلات الضخمة التي ستخرق الشرق الأوسط قد تأخذ وقتاً، وربما تواجهها الصعوبات، ولكنها بدأت منذ الآن بتغيير وجه المنطقة. وما فشلت في تحقيقه عملية السلام في أوائل التسعينات، تحت مسمّى “الشرق الأوسط الجديد” يبدو أنه يُرسم اليوم، حيث أصبحت الظروف أكثر ملاءمة لذلك.