
خاص – لعب بالنار في عين الحلوة: من يبعثر آخر مخيمات الشتات؟
خمسة وسبعون عاماً مرّت منذ العام 1948، تاريخ ما عُرف بالنكبة، ثم منذ العام 1967 مع موجة التهجير الثانية، حيث هُجّر وطُرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم، وتشتّتوا في الداخل وفي دول الجوار، مقيمين في مخيمات للاجئين سُمّيت مخيمات الشتات الفلسطيني. وبعد خمسة وسبعين عاماً صار حق العودة بعيداً أكثر من أي وقت مضى. فالزمن هو اللعبة الأكثر خبثاً، وهو أقوى من الحروب في القدرة على بثّ روح التعب والنسيان، خصوصاً بعد أن يندمج اللاجئون في المجتمعات الجديدة.
والمخيمات التي أقيمت في الدول العربية المجاورة لإيواء اللاجئين الفلسطينيين إثر موجتي الهجرة الكبيرتين تبعثرت وتفككت مع مرور السنوات.
ففي الأردن، وبعد الضربة التي سدّدها الجيش الأردني لمخيم البقعة في ما عرف بأيلول الأسود في العام 1970، لم تعد هناك حالة لجوء فلسطيني بمعنى الشتات داخل المخيمات الأردنية. فأعداد كبيرة من اللاجئين نزحت خارج البلاد، وبات الفلسطينيون الباقون يشكلون 60 في المئة من الشعب الأردني، بعدما مُنحوا الجنسية، وهم يتمتّعون بكامل حقوق المواطنة.
أما في سوريا، فقد أدّت الحرب الحالية إلى تشتيت سكّان المخيمات، وخصوصاً مخيم اليرموك، وهو المخيم الأكبر في البلاد، ونزح قسم كبير من هؤلاء الى مخيم عين الحلوة في لبنان.
عملياً، أصبح عين الحلوة آخر ما تبقّى من مخيمات الشتات. وهو الآن الوحيد الذي يشكّل رمزاً ملموساً لحقّ العودة. فمخيم نهر البارد دُمّر، ومخيّما صبرا وشاتيلا في بيروت تداخل سكانهما مع السكان المجاورين، بحيث يقطن هذين المخيمين اليوم عددٌ من اللبنانيين ربما يفوق عدد الفلسطينيين. وعليه، بقي مخيم عين الحلوة هو المخيم الوحيد في الشتات الذي يضمّ أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وفيه فصائل مسلحة، وبات في الفترة الأخيرة ملجأ للهاربين من العدالة والارهابيين.
ويؤكد الباحث والمدير العام السابق لمؤسسة الدراسات الفلسطينية محمود سويد لموقع beirut 24 أنّ “عين الحلوة ما زال مخيماً كبيراً يجسّد حقّ العودة. لذا يتمّ العمل على بعثرته، وتذويب ما يمثّله”.
ومن جهة أخرى، فإنّ حركة حماس التي وسّعت نفوذها في الضفة الغربية، ترغب في إحكام سيطرتها على مخيم عين الحلوة، وإن كانت لا تخوض قتالاً مباشراً مع حركة فتح، إنما عبر الأسلاميين. ويقول سويد إنّ “حركة فتح باتت مترهلة، حتى أن عناصرها في لبنان منقسمون تحت راية جماعات مختلفة. وكانت الحركة خائفة فعلاً من أن يسيطر الإسلاميون على المخيم، إذ يبدو أن هناك تكافؤاً في القوة بين الجانبين”.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن الاشتباكات الأخيرة في عين الحلوة تختلف عن تلك التي كانت تحصل سابقاً وتنتهي على الفور. فالقتال هذه المرّة اتخذ طابعاً أكثر عنفاً، وتكرّر لأيام طويلة. كما يبدو مفتوحاً على جولات جديدة بفعل استمرار التهديدات والشروط. وهو ترك حجماً كبيرا من الدمار في البنية التحتية، ما اضطر مئات الاهالي إلى النزوح.
وتقول الأونروا التي كانت قلّصت في الأساس خدماتها، إنها “تدعم 1060 نازحا في أربعة مراكز إيواء طارئة. كما أن مدارس الأونروا قد تم الاستيلاء عليها وتعرضت لأضرار. وبالنظر الى ان بعض مدارس خارج المخيمات أيضاً تستوعب عائلات نازحة، فسيكون هناك تأثير على بدء العام الدراسي”.
وسيؤدي استمرار عدم الاستقرار في الوضع الأمني وتجدد الاشتباكات وتراجع خدمات الأونروا إلى خروج المزيد من السكان خارج إطار المخيم، ما يمهد لتفريغه تدريجاً.
وفي ظل الظروف التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، فإن عدداً كبيراً منهم هاجر في السنوات الماضية الى الولايات المتحدة وأوروبا. وبعضهم يعمل في الخارج ويعود من حين لآخر لزيارة عائلته. وهؤلاء، يقول سويد، يمكنهم أن يأخذوا عائلاتهم معهم إذا أتيحت الفرصة لذلك. وهناك الكثير ممّن اندمجوا في المجتمع اللبناني من حملة الشهادات وأساتذة الجامعات.
ويؤكد سويد أنّ “عدد الفلسطينيين الذين تنطبق عليهم مواصفات اللجوء في لبنان الآن لا يتجاوز 250 ألفاً، أكثريتهم في عين الحلوة”. وكان إحصاء أجرته إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني توصل في العام 2017 إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات السكانية بلغ 174000 تقريباً. وهو رقم أتى مفاجئاً، على أساس أن وزارة الداخلية اللبنانية وهيئات دولية كانت تنشر أرقاماً أكبر من ذلك بكثير، تشير إلى وجود ما يقارب النصف مليون لاجئ فلسطيني.
بات المجتمع الفلسطيني في الشتات اليوم في الجيل الثالث للتهجير. “وغالبية الجيل الجديد لم تعد تهتم بالشعارات. إنهم يريدون أن يتعلموا ويعيشوا وأن يخرجوا من حياة المخيم البائسة. وإذا فُتح باب الهجرة سيهاجر الكثيرون إلى بقاع الأرض”.
وفق هذه الصورة، فإن الاشتباكات الأخيرة في عين الحلوة يمكن وضعها في خانة العمل على تفريغ المخيم تدريجاً وتذويبه. فيكون هذا المخطط بديلا عن التوطين المباشر. فمن هاجر هاجر، ومن بقي من الجيل الجديد وُلد في الخارج ولم يطأ أرض فلسطين يوماً، وهو قد اندمج في البيئة الجديدة.
وعندما يتبعثر المخيم، يصبح المكان مجرد تجمع سكاني صغير، ويفقد رمزيته كآخر مخيمات الشتات الفلسطيني ولا يعود هناك من معنى للمطالبة بحق العودة إلى فلسطين.