خاص-الساحر العجوز والأرنب المريض

خاص-الساحر العجوز والأرنب المريض

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24خاص
22 أيلول 2023

يُحكى في بلادنا عن ساحر بارع بلغ من العمر دهرًا وما زال يرفض النزول عن خشبة المسرح. هذه الخشبة التي صنعت مجده على مدى عقود، هي حياته كلها. هي ماضيه بالتأكيد، لكن المشكلة أنه ما زال يعتقد أنها حاضره ومستقبله.
على مدى سنوات طويلة نجح هذا الساحر في إدهاش منافسيه قبل محبّيه بحركاته البهلوانية وألعاب الخفّة التي كان يمارسها. أجاد اللعب بالبيضة والحجر، كما لعبة الثلاث ورقات وغيرها، إلا أن لعبته المفضلة كانت إخراج الأرنب من كمّ بدلته “السموكينغ” كلما دعت الحاجة، أي عندما كان يشعر أن الملل بدأ يتسلل إلى قلوب الحاضرين.
مع مرور الأيام بدأ أداء هذا الساحر يتراجع بفعل تقدّمه في العمر من جهة، ولافتقاده، من جهة ثانية،الى الأرانب الصغار التي كانت تمدّه بها الأرنبة الولّادة التي اضُطرت للعودة قسرًا إلى بلادها بسبب ظروف خارجة عن إرادتها.
إلا أن مشكلة هذا الساحر أنه ظل يرفض الاعتراف بواقع تراجع أدائه بفعل العجز، علمًا أن العجز ليس عيبًا، وهو يعني، علميًا، عدم القدرة على الاستمرار في القيام بالأنشطة البدنيّة والذهنيّة التي كان يمارسها المرء قبل سنوات.
ومع إصرار الساحر العجوز على اعتلاء خشبة المسرح، رافضًا بالتالي توريث “كار السحر” لأحد زملائه الشباب، ازدادت مشاكله مع تراجع مستوى عروضه.
ومع تواتر الأنباء عن تدنّي أداء هذا الساحر المدهش، أصرّ رجل حكيم عايش الساحر خلال سنوات مجده على حضور أحد عروضه ليتبيّن بنفسه دقّة ما يقال عن الرجل الذي عرفه عن كثب لعقود مضت. ومع انطلاق العرض بدا الساحر منهكًا على غير عادته لدرجة أنه بدا غير قادر على إمتاع الحضور بالفقرات التي يقدّمها. وعندما خيّم الملل على الحضور، قرّر الساحر العجوز الاستعانة بلعبته المفضّلة، وهي إخراج أرنب صغير من كمّ معطفه. وبعد أكثر من محاولة فاشلة، نجح الساحر أخيرًا في انتشال الأرنب المسكين. إلا أنه حصل ما لم يكن في الحسبان، وتحوّلت الملهاة الى مأساة. فقد خرج الأرنب الصغير من كمّ الساحر ميتًا اختناقًا لأنه لم يحتمل البقاء بداخله لمدّة تفوق قدرته على التحمّل. فقد ظل هذا الأرنب الصغير، الذي وُلد بتشوهات خلقية لا شفاء منها، صامدا حتى لقي حتفه على المسرح، في ما بدا وكأنه يوجه رسالة معيّنة الى الساحر العجوز.
دمعتان سقطتا عن عيني الرجل الحكيم الجالس في الصف الأول ليراقب المسرح عن كثب: دمعة اولى على ما آلت إليه حال الساحر العجوز الرافض الاعتراف بواقعه، وثانية على المشاهدين الذين ما زالوا يؤمنون بقدرات الرجل ومواهبه، على الرغم من الإخفاقات العديدة التي سبقت العرض المأساة.
الساحر في جمهوريّتنا موجود، وكذلك الأرانب والحضور.. إلا أن ما لم يدركه البعض حتى الآن، أن قواعد اللعبة قد تغيّرت بالتأكيد.