
خاص – “الخماسية”: قائد الجيش بداية الحل
من المبالغة الاعتقاد أن الدور الفرنسي في اللجنة الخماسية حول لبنان قد انتهى، أو أن باريس ستتراجع بسهولة عن مهمّتها، وبالتالي عن مصالحها السياسية والاقتصادية في لبنان، علمًا أن الفرنكوفونية في عهد الرئيس ايمانويل ماكرون لم تعد أكثر أهمية من شركتي “توتال” و”كهرباء فرنسا” وغيرها. إلا أن الثابت أيضًا أن التراجع الفرنسي لن يكون بعيدًا بفعل تصلّب الأعضاء الأربعة الآخرين المتفاهمين على خارطة طريق موحّدة للحل في لبنان.
لم يعد خافيًا أن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة الى بيروت مُنيَت بفشل ذريع بسبب وقوعه في الفخ الذي نصبه له الرئيس نبيه بري من خلال ما سُمّي بالمبادرة الحوارية لسبعة أيام تسبق جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية. إلتقط لودريان، غير الملمّ كفاية ببواطن الأمور في بيروت، مبادرة بري وراح يسوّق لها مع تعديلات طفيفة اعتبر أنها قد تقنع المعترضين. لم يطل الأمر حتى أدرك الموفد الفرنسي أن مهمته فشلت بعدما تبلغ من قوى المعارضة ما مفاده أن الوسيط يجب أن يكون على مسافة واحدة من الطرفين، لا أن يتبنى وجهة نظر طرف على حساب طرف آخر.
أيامًا قليلة بعد زيارة لودريان الى بيروت، انتقل الخلاف بين الأطراف اللبنانية الى أعضاء اللجنة الخماسية الذين اجتمعوا في نيويورك لتقييم المهمة التي تكفلت فرنسا بإنجازها. خلافات كبيرة طفت الى السطح مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية، مدعومة من قطر والسعودية ومصر، أصرت على وقف المبادرة الفرنسية التي استهلكت وقتًا طويلًا وثمينًا بالنسبة الى لبنان، والانتقال بسرعة الى “الخطة ب” القاضية بإسقاط مرشحَي “الثنائي” والمعارضة (سليمان فرنجية وجهاد أزعور) وتبنّي خيارًا ثالثَا يكون مقبولًا بالحد الأدنى من معظم الأطراف داخليا وخارجيا.
تلقفت قطر المبادرة سريعًا بعد اجتماع ثان للجنة الخماسية في الدوحة، وأرسلت أبو فهد جاسم آل ثاني الى بيروت، في محاولة لإغلاق ملف المهمة الفرنسية والتسويق للاقتراح الأميركي بالذهاب الى “الخطة ب”.
وفي هذا السياق، لم يعد سرًا أن المرشح الأول والمفضل بالنسبة للدول الأربع هو قائد الجيش العماد جوزيف عون، لما له من مصداقية في هذه الدول بعدما نجح في المحافظة على مؤسسة الجيش في أصعب الظروف، وفي بلد تنهار مؤسساته الواحدة تلو الأخرى. كما نجح العماد عون في المحافظة على الأمن بالرغم من انتشار السلاح غير الشرعي في مناطق عدة، بالإضافة الى السلاح الفلسطيني في المخيّمات، وبالرغم من وجود نحو مليوني نازح سوري على الأراضي اللبنانية، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر أمنية على البلاد.
فالعماد عون رجلٌ ثقة بالنسبة الى الخارج. أما بالنسبة الى الداخل فالآراء والمواقف حوله متفاوتة، وإن كانت في معظمها تصبّ في مصلحته: فقد أعلنت معظم الكتل النيابية الوازنة مرارًا (باستثناء التيار الوطني الحر بسبب مواقف وطموحات رئيسه جبران باسيل)، وإن بدرجات متفاوتة، عدم معارضتها انتخاب قائد الجيش رئيسًا للجمهورية. انطلاقًا من ذلك تصبح مهمة الموفد القطري، المتابع للوضع اللبناني بأدق تفاصيله، واضحة ومحّددة، وهي تتلخص بإقناع هذه الأطراف بالانتقال بمواقفها من مرحلة عدم الممانعة الى الموافقة، أو ربما المطالبة، بالعماد عون رئيسَا توافقيًا يضع البلاد على سكة التعافي بعد حصوله سلفًا على الدعم الخارجي المطلوب لهذه المهمة.
هل يتلقف الفرقاء اللبنانيون الفرصة ويتوقفون عن إهدار الوقت الثمين، فيما تعاني أغلبية اللبنانيين من ضغوط غير مسبوقة بفعل الانهيار الذي يضرب معظم المؤسسات والقطاعات، وفيما يتعرض الوطن لتهديد كياني بفعل استمرار النزوح السوري ومفاعيله الكارثية على البلاد؟
سؤال برسم المسؤولين، وخصوصًا مسؤولي “قوى الممانعة” وحلفائهم، علّهم يتّعظون قبل فوات الأوان وانهيار الهيكل على الجميع.