خاص – بطريركان يواجهان احتلالين

خاص – بطريركان يواجهان احتلالين

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
25 أيلول 2023

التاريخ يعيد نفسه فعلًا وإن بأشكال مختلفة أحيانًا.

فالمواقف الثوابت التي يطلقها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من أستراليا أعادتنا بالذاكرة الى جولات البطريرك التاريخي مار نصرالله بطرس صفير الخارجية خلال فترة الاحتلال السوري للبنان، والتي كان يؤكد خلالها دائمًا على وجود هذا الاحتلال الذي كان بعض اللبنانيين يسميه تواجدًا أو تعاونًا، ويدعو باستمرار لرفعه تمهيدًا لتحرير لبنان.

فقد تميّزت مواقف البطريرك الراعي الأخيرة، من دون أن يسمّي أي طرف بالإسم، برفع السقف ورفع الصوت عاليًا للمطالبة بإزالة سطوة وسيطرة “حزب الله” على لبنان، من خلال رفضه الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري ومطالبته بالدعوة الى جلسة نيابية بدورات متتالية لا تنتهي إلا بانتخاب رئيس للجمهورية، مؤكدًا ان “هناك من يعرقل عن قصد انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في أسرة جامعة الدول العربية”.

وذكّر الراعي بالمبادئ المسيحية التي قام عليها لبنان، مؤكدا “ان الكنيسة لن تدع لبنان وشعبه فريسة الظلم والإهمال والإستبداد والإستكبار، ولن تصمت عن التنديد بتعمّد تغييب رئيس البلاد المسيحي، ومعه تغييب الثقافة المسيحية التي كانت في أساس إنشاء الدولة اللبنانية الموصوفة بميزاتها، وأولاها الفصل بين الدين والدولة، والمشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، والتعّددية الثقافية والدينية في الوحدة، وحياد لبنان الإيجابي لكي يواصل اداء رسالته الخاصة في بيئته العربية”.

مواقف الراعي ذكّرت المتابعين والمعنيين بجولات البطريرك صفير، وتحديدًا جولته في كندا في آذار 2001 حاملًا معه قضايا السيادة والاستقلال ورفع الاحتلال السوري عن لبنان. خلال إحدى محطاته في الجولة، سأله أحد المغتربين اللبنانيين الذي كان في استقباله عن سبب عدم تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات وانسحاب سوريا من لبنان. ارتسمت على وجه بطريرك الاستقلال الثاني تلك الابتسامة اللطيفة، وردّ على السائل بسؤال: من اتخذ تلك القرارات؟ أجابه السائل: الدول الكبرى المقررة في الأمم المتحدة. هنا عقّب البطريرك على السائل قائلًا: على الدول التي اتخذت هذه القرارات أن تحترم قراراتها وتعمل على تنفيذها.

صدق كلام بطريرك الاستقلال الثاني بعد نحو خمس سنوات من هذا الحوار عندما انسحبت سوريا دفعة واحدة من كامل الأراضي اللبنانية في 30 نيسان 2005 تنفيذًا للقرار 1559 بعد تعرّضها لتهديدات أميركية مباشرة في حال عدم الاستجابة الفورية لأوامر واشنطن.

التاريخ يكرّر نفسه اليوم مع الاحتلال الايراني (بأيدي لبنانيين) للبنان من جهة، في مواجهة البطريرك الراعي، الذي أدرك أن المحاولات الداخلية للحلّ لم تعد ناجعة، فبدأ تحرّكه من الخارج باتجاه الداخل، على غرار ما فعله سلفه البطريرك صفير. من هنا، لا بد لليائسين وفاقدي الإيمان بإمكان استعادة الجمهورية من براثن الاحتلال الجديد، أن يعودوا بالذاكرة الى الأمس القريب عندما كان الاحتلال السوري ممسكًا بكل مفاصل الحياة في لبنان، وكيف كان “يعيّن” النواب قبل الانتخاب، ويشكّل الحكومة في عنجر قبل تكليف رئيسها.. كيف انسحب مهرولًا من لبنان عندما أصبحت الرياح الدولية مؤاتية.

بطريرك الموارنة يمثل ضمير لبنان، شاء من شاء وأبى من أبى. وعندما حفَر التاريخ على صرح بكركي “مجد لبنان أعطِي له” كان على بيّنة بالعواصف التي ستهبّ على وطن الأرز، لكنه كان أيضا على يقين لا يقبل الشك بان الجالس على كرسي الصّرح، أيا يكن اسمه، سيكون قادرا بالتأكيد على مواجهة الرياح العاتية وإخضاعها.